2009/05/15

على أعتاب .. [ الذكرى ]









في ساعة فراغ .. أدرت محرك سيارتي و اتجهت إلى الـ " Coffee Shop " المنزوي عند رأس الحارة ..
كعادتي قمت بطلب الـ " French late " سكر وسط ! و ما بين رشفة و عبير الأثير الذي ينطلق من مسجل
سيارتي كنت " أفرفر " في شوارع الرياض .. تلك العاصمة التي شاركتني أفراحي و أحزاني .. و تحملتني
أضعاف تحملي لها ! نقشت على قلبي حبها كما ينقش المحب حروف اسم الحبيب على " ماصة " المدرسة .. !


شوارع مكتظة بالسيارات .. و وجوه علت على محياه تعابير مختلفة .. أب يجبر أبناءه على التزام الصمت
أثناء القيادة .. و آخر هائم مع من يهاتف بجواله .. و آخر في عمل دؤوب متواصل و جهد جهيد في تحفير
" كوسة خشمه " .. مناظر لا تخلو منها مدينتي الغراء !


و بينما أنا منشغل في ممارسة عادة اكتشاف مشاعر الآخرين .. صدح المسجل بذلك المقطع الذي ارتبط ذهنياً
مع إحدى ذكرياتي القديمة .. أحسست بتسارع عجيب في معدل نبضي .. و حرارة سرت من تجاويف قلبي
إلى أخمص أقدامي .. وقفت على إثرها شعيرات يداي و شعر رأسي ! .. تلك الذكرى التي كنت على يقين تام
من وضعها داخل صندوق أحكمت إغلاقه .. صندوق كلّفت الأيام و الليالي مهمة نسيانه .. صعوبة في التنفس
تخنقني .. و تجبرني على التوقف عند أقرب موقف .. شريط الذكريات يدور بكل تعطش في مخيلتي .. رغبة
في الموت تتملكني .. و خوف من الرجوع إلى ذلك المكان القصي من الذاكرة ..


بغير قصد مني .. أجدني أقف في ذات المكان .. على أعتاب الذكرى .. أرقب الطلل لأستثير مشاعري الدفينة ..
صوت آت من بعيد يأمرني بالرحيل .. و العودة إلى اعتكافي في مسجد النسيان و التناسي .. صوت آخر
حزين يسترجي بقائي راضياً بقليل وقت .. و أنا بين مطرقة العقلانية و سندان الحنين !


ترجّلت من على سيارتي .. مقترباً إلى الحنين أكثر .. أشتم ذات العبق .. و أشعر ذات الشعور .. كأني
أقوم بتوأمة الأحداث في ذهني لتستحيل واقعاً أستطيع عيشه .. ! لم تكن ذكرى جميلة أبداً و لكنها تجمّلتْ
في خيالي أكثر مما تصورت .. استهلكت مخزوني العاطفي .. و استنزفت ذرات السعادة .. و بقدر حاجتي
الملحّة للهروب كانت قوة الجذب .. فخيالي الخصب ما زال أخبث من واقعيتي .. يجمل الماضي ليجعل منه أمنية
صعبة التحقيق .. يقلّب الوقائع فيجعلها في أحلى حلة و أجمل صورة ..

تنهش المواقف من رجولتي كما تنهش الدابة خشب المنزل .. أتقوقع على ذاتي محاولاً ـ شزراً ـ الاحتماء
من فيض الماضي المنكب علي ! .. حينها تمنيت لو أن شخصاً يوقظني .. ينتشلني .. أو يشتت انتباهي !
استفاقت عبراتي على إثر اهتزازاتي العاطفية .. و ما زالت رجولتي تنضح .. و إن قلّ نضحها !

كأن لمسة ربانية احتوتني .. كأن شمس الواقعية أشرقت فتقشّعت سحب الذكريات المتلبدة على ذهني .. كأني
بابتسامة ترتسم على شفاهي .. كأن الكون ما عاد الكون .. و كأن الذكرى لم تعد تقوى مجابهتي ..

نهضت .. لأكره الذكرى .. حلوة كانت أم مرة .. مزقت صور الماضي .. غيرت من شكل الحاضر .. أبدعت
في تعديد أساليب الفرحة .. خالطت الناس بجميع الأجناس .. لم أعد أهتم كما كنت أهتم .. لم أعد أسمح
للحزن بأن يسكن إحدى شقق أيامي .. أو لياليها .. لم أكن أعلم يوماً بأني استطيع التحكم بمشاعري !
بأحاسيسي ! بقراراتي التي من شأنها تغيير نظرتي و تعاملي مع معتركات الحياة .. لم أكن أعلم أنني الأقوى
إلا حينما قررت أن أصبح الأقوى ..

هناك تعليق واحد:

  1. رائعه جداا جداا .. اخي فراس



    اختك soso

    ردحذف

أشكر لك اهتمامك و تعليقك