2009/08/05

في فانكوفر .. ٥


كانت رحلتي الأولى إلى Stanley Park هي في يومي الدراسي الأول، في جولة الباص حول المدينة.
في محطتنا الثانية توقفنا في " البارك " و بدأ المرشد السياحي " السواق " بالتحدث عن الحديقة.
أخبرنا عن سبب تسمية " Deadman's Island “ بهذا الاسم. و يرجع ذلك إلى وقت الاستعمار، حيث
قام الكنديين بإجراء اتفاقية مع السكان الأصليين تنص على أنهم لن يقتلوا الأطفال و الناس شريطة ذهاب
الرجال منهم إلى تلك الجزيرة و قتل أنفسهم ! وافق السكان الأصليون على ذلك، و سميت بذلك الجزيرة.

في منطقة أخرى من الحديقة نزلنا. أخذنا السائق في جولة على الحديقة " الغابة ! “، قمنا خلالها بعبور
عدة جسور خشبية " زي اللي بالأفلام =) “ كان عبورها يسري في جسدي شعوراً لذيذاً من " الحماسة ".


كانت حصتي الأولى صبيحة يوم الثلاثاء. بعد أن قمت بشراء بطاقة الـ " Bus Pass “ و التي من خلالها
أتمكن من ركوب الـ Bus أو الـ Sky Train من دون شراء تذكرة. بهدوء تام دخلت الفصل. نويت إلقاء
السلام، كعادتي في الجامعة !، و لكن [ شدراهم بالسلام ؟! ]. [ أقول Hello ]، و لكنها أتت متأخرة. حجرة
صغيرة، كراسي مبعثرة على ثلاث طاولات منفصلة. جلست في الطاولة التي لا يجلس عندها أحد. لم يحضر
المدرس بعد، أو المدرسة !. طالب قصير يدندن مع أغنية يسمعها من " آيبودّه "، و أخرى تتحدث مع جارتها
بصوت خافت خجول، و ضحكات تملؤها المجاملة. هل هكذا هي مجتمعات البنات في فصولهن لدينا ؟
أم أنهن هكذا إذا تواجد الشباب فقط ؟

[ Good morning ! ] دخلت المدرسة بابتسامة عريضة. [ How are you ? ] تسألنا و ما زالت
ابتسامتها العريضة مرتسمة على محياها. بوجه طفولي و جسم قصير و أسنان كمقدمة أسنان سنجاب
تتكلم، و بنطق مميز لحرف السين ـ أقصد s !! ـ . [ Fine ] إجابة لم تكد تخرج من أفواه طلبة جدد. سكوت
أعقبه عبوس من مدرسة إعتادت التمثيل [ Aren't you going to ask me how am I ? ]. لم يجب
أحد. [ I'm Fine. Thank you for asking ] “ محد جاب خبرك ! “ قلتها في نفسي. بدأ التعريف
بالطلبة اسماً و عمراً و من أي بلد أتى. طالبان من البلجيك، و ثلاثة طلبة من المكسيك، و ثلاثة طلبة
من البرازيل، و طالبة من تايوان، و طالب سعودي ( أنا ). المدرسة Lisa كندية من أصل كندي، غير أن
جدها الأكبر يعود إلى ألمانيا. يبدو أن الكنديين أنقرضوا !

كانت الحصة الأولى و الثانية، و بقية الحصص، مع تلك المدرسة حركية بشكل جميل. كان جل تركيزها على
القواعد. لم أستطيع تكوين صداقة بسهولة. ربما لأني كنت شديد الحرص على نقل صورة مشرفة عن أبناء
بلدي لدرجة الخوف من الإختلاط بالبنات. أو أن فكرة اختلاف الثقافات كانت حاجزاً يمنعني من التقدم خطوة
تكون في نظر ثقافتهم خاطئة !. كان في نظري البقاء في مكاني بدون أصدقاء خير من التقدم خطوة ترجعني
إلى الخلف.

أعود من المدرسة إلى المنزل، أصلي الظهر و العصر ثم أتناول وجبة العشاء. طبق جديد كل يوم، و طبخ
أفضل مما كنت أظن. زوجة Alvis لم أرها حتى الآن. في إجازة نهاية الأسبوع، صحوت على " قربعة "
في المطبخ. لم أخرج من غرفتي حتى هدأ الوضع و تأكدت من خلو المطبخ من الأشخاص. خرجت لأجد
“ المدام " في وجهي. بملابس النوم و خطوط الوسادة " لاعبة في خشتي " كان اللقاء الأول. كنت شديد
التحرج !. بخطوة مترددة إلى الخلف، لم تكن مقصودة، وضعت قدمي. اختلاط الثقافات و جذور الدين التي
زرعتها أمي و المدرسة و المجتمع لا بد أن تثمر في القلب حياء و خشية. عقلي المبرمج على الصدود عن
طيف كل أنثى لم يكن مبرمجاً قط على رد تحية أنثى في أحد " الصباحات ". [ Hey ! ] قالتها بابتسامة
أيضاً. بخجل واضح قلت : [ Hey ]. لم تكن الحادثة الأولى و لكنها كانت الأصعب. [ How are you ? ]
بدأت تسألني و كأني " فاضي ". [ I'm fine, thanks for asking. And you ? ].
[ I'm fine thank you. You seem like you know how to speak English, so why did you com to learn ? ]
[ أيوااااااا .. طرده من أولها ! ] [ Well, improving my English Is one thing of many things
that I came for ]. تقاش طويل لا أذكر آخره، و لكني أذكر تماماً تعجبي من ثقتها بالحديث معي و هي
أنثى و أنا الرجل خجول !. ذهبت لأخذ " دوش " مستعملاً " شامبو " حسين. سألته عن كيفية استخدام
مغسلة الملابس، و من أين يمكني شراء " فيش كهرب "، و عن أقرب " Coffee Shop “.

أحمد، خجول بشكل لا يتوافق مع شخصيته. بعد تعرفي عليه في اليوم الثالث اكتشفت أني أعرف في كندا
أكثر مما يعرف !. فهو لا يخرج كثيراً و لا يحب الإختلاط بأحد. كان، كما قال، يعيش في نجران في قريتهم
لا يذهب إلى المدرسة بانتظام. متعته ترتكز على إبريق شاي يشربه أمام " الحلال "، ماشيته. أسلوبه و طريقة
تعامله تنبيك بما يكتنفه شخصه من نخوة و رجولة.

نهاية الأسبوع يوم السبت، لأن الأسبوع هنا يبدأ الإثنين و ينتهي الأحد، أيقظته الساعة الحادية عشر.
و أمرته بالاستعداد لأننا سنخرج بعد ساعة. إلى أين ؟ " مش مهم ". بعد ساعة توجهنا إلى الـ
“ Metro Palace “ أكبر سوق في المدينة. لم نشتري أي شيء، تجولنا فقط. ثم توجهنا إلى " China Town “
الذي حاول تحذيري منها بسبب كثرة السرقة فيها و عمليات النصب. كنت أعلم أن غالبية القصص التى
تروى غير حقيقية و لو كانت حقيقية فهي لعجائز، أو حوادث وقعت في " تالي الليل ". وصلنا إلى القرية
الصينية. مررنا بجانب المحلات سائلين عن مطعم صيني جيد. كل المطاعم من شكلها الخارجي توحي
بمستوى لا يليق بمسمى مطعم. كنت أتضور جوعاً، و لا أعلم عن أحمد، و لكني لم أكن أحب الأكل الصيني.
كنت أريد فقط تجربة الـ " Sushi “. أعلم أنه لن يعجبني، و لكني سأجرب. ذهبنا إلى مطعم أوصتنا به
إحدي الصينيات. قدموا لنا شراباً في البداية. توقعته خمراً، و لكنه كان ساخناً !. أخبرتنا النادلة بأنه شاي.
كان مراً، و لا يوجد بجانبنا سكر. من عادة الصينيون أنهم يشربون الشاي المر مع أكلهم. طلبنا " ببسي
و ميرندا " و اعتذرت النادلة لأنهم لا يقدمون Sushi. طلبنا طلبات مختلفة كانت أكثر من اللازم. كان المذاق
رائعاً، لدرجة أنّا أكلنا حتى امتلأت بطوننا و بتنا نضحك على أتفه النكت !.

عدنا إلى Metro Town لنشاهد فيلم The Hang Out، الذي شاهده أحمد من قبل. كان فيلماً جميلاً.
عدنا بعده إلى المنزل.

كانت تلك الرحلة القصيرة نقطة تحول لدى أحمد. اتفقنا على الخروج نهاية كل أسبوع لولا أني انتقلت للسكن
مع عائلة جديدة بعد تحدثي مع مسؤولة السكن عن مشكلة سكني مع طلبة سعوديين. حيث اتضح لديها
أني أسكن مع العائلة الخطأ.

بعد أسبوع من السكن مع أحمد و حسين و Alvis و " مرته " انتقلت للسكن مع عائلتي الحالية.



صور مختارة


مدخل المدينة على Stanley Park


صورة من Stanley Park


إحدى الجسور الخشبية في Stanley Park


بوابة الدخول على Chin Town


طلبنا ( رز ـ شوربة كريمة دجاج ـ دجاج كاري ـ نودلز " في الصورة الأخيرة " )


أول ما جا الأكل قمنا نتفلسف بالأعواد الصينية


يوم ذبحنا الجوع قلبناها بالشوكة و طلبنا ملاعق ! الطبق اللي عليه الشوكات هو النودلز

2009/08/03

في فانكوفر .. ٤

صباح يوم الإثنين، استيقظت الساعة السادسة. توجهت إلى دورة المياه حيث وجدت ورقة توصي بتنظيف
دورة المياه بعد الإنتهاء منها. أصبحت التوصيات المماثلة أمراً مألوفاً أجده في كل مكان. فوق الغسالة
و عند باب الغرفة و حتى بجانب التلفاز. توصيات تفيد بالمحافظ على الطاقة و النظافة قدر الإمكان.
أكملت ما استلزمني من دورة المياه التي لا يقفل بابها ! يبدو أن جميع أبواب المنزل لا تقفل. أو قد تكون
في دورنا السفلي فقط.

عدت إلى غرفتي و بدأت في ترتيب ملابسي في أدراج " الدولاب ". بعد الإنتهاء اخترت لبسي الذي سأواجه
به الطلبة لأول مرة. لبست و صليت الفجر ثم بدأت في تقليب صفحات الإنترنت.

أخبرني حسين أنني سأكون في المعهد ف الوقت المحدد، الساعة الثامنة. الآن الساعة السابعة و لم يصح.
هل أقوم بإيقاظه ؟ " أبصير نشبه ! “ كما كنت أظن. هل أتركه في نومه و أتأخر عن يومي الأول ؟!
حسناً، سيقبل المسؤول بالمعهد عذري فبالطبع يواجه مثل هذه الحالات مع كل مجموعة جديدة !

الساعة السابعة و النصف كان يقف حسين على باب غرفتي [ صباح الخير يا كبتن .. مشينا ؟ ] ..
يلبس قبعة سوداء و " جاكيت " أسوداً و جنزاً آزرق و " بوت " أسوداً. بالأمس كان الجو صحواً. كانت
السماء صافية و الجو عليل و لا مكان للبرد. بعد هطول الأمطار ليلة البارحة أصبح الجو بارداً. تملأ
السماء حبيبات ماء تنعش الروح. أحضرت معي كل شيء، إلا الملابس الشتوية ! [ أخذت معك جاكيت ؟ ]
سألتني أمي و نحن في طريقنا إلى المطار.

كنت أمشي مع حسين. نخرج من حديقة المنزل إلى الشارع المواجه. ملعب كبير يقف أمامنا، يقول حسين
أنه العلامة الفارقة التي من خلالها سأتمكن من تحديد طريق العودة حينما لا يكون معي.
يمشي بخطوات واثقة على طريق سار عليه شهوراً. و أنا بعقل سارح و فكر شارد و عين تجوب المكان
و تتفحص الطرق أحاول جاهداً حفظ كل شيء حتى لا أضيع. يقولون ( أفضل طريق لمعرفة البلدة هو
أن تضيع فيها )
و لكني لا أريد أن أضيع اليوم !


[ معاك دولارين و خمسين سنت ؟ ] يسألني حسين عن أجرة الباص الذي سينقلنا. أخرجت من جيبي
“ قروشاً " و قربتها منه و سألته ببراءة: [ تكفي ؟ ]. آخرج منها ما كان " على أد المئام " و أضاف إليها
بعضاً من قروشه حتى اكتملت. في ذيل الباص جلسنا. قال لي أحمد يوماً أنه من الأفضل دائماً أن تجلس
في مؤخرة الباص لأن العجزة يجلسون في المقدمة و ستقوم لهم احتراماً مما يعني ذهاب مقعدك !

[ خذ الباص رقم ١٠٦ اركب الـ Sky Train من محطة New Westminster إلى محطة Granville،
سر بعدها ٣ إشارات إلى... ]
معلومات كثيرة كان يجب علي حفظها، لم أتوقع حينها أني أستطيع.

عند بوابة المعهد وقفت مشدوهاً ! “ زي كل مرة ". لم أكن أتوقع المعهد بهذا الشكل. مبنى كأي مبني
سكني، استأجر المعهد فيه أحد أدواره. توسع فاستأجر الدور العلوي أيضاً.دوران و غرف عادية كأي
معهد في مملكتي الحبيبة. أين الصور الجميلة المعلقة على جدران وكالة الطيران ؟ أين هي الجامعات
و المعاهد التي وعدوني بها ؟ أو تخيلتها ؟!
كان الخيال، كعادته، أجمل بكثير من واقعي.

إلى الدور الثالث توجهت بالمصعد لأجد نفسي في معهد الموسيقى ! عدت إلى المصعد متجهاً إلى الدور
الرابع. أخرجت رأسي لأتأكد من وجودي في الدور الصحيح. عدد كبير من الشباب و " الشابات " يقفون،
على ظهورهم أشناطهم. بشنطة الكتف الصغيرة اخترقت الصفوف حتى وصلت إلى مكتب السيد Tom،
الكندي من أصل اسكوتلندي. [ Excuse me, I'm a new student ] بصوت منخفض تحدثت إليه.
[ Do you see the line behind you ? Those are new too ] أجابني و عينيه لم تفارق شاشة الكمبيوتر.
بقليل من الإحراج و كثير من " الفشلة " عدت إلى نهاية الصف. حشد من الطلبة تملأ الساحة. الساحة ؟
ليست سوى المساحة التي تلتقي عليها بقية الغرف. ستة أمتار في ثلاثة كما أعتقد. جمع من الطلبة و الطالبات.
جنسيات مختلفة، ألوان متباينة، لغات تندمج مع بعضها. نسيج جميل من مناطق مختلفة التقت تحت سقف
واحد.

ثلاثة بنات يتحدثون خلفي. مراهقتان تقفان أمامي تتحدث إحداهن إلى الأخرى عن المعهد و مزاياه.
يبدو أنها إحدى الطالبات اللاتي سبقن دفعتي. كانت لغتها مكسرة. طريقة نطقها للكلام غريبة، يرجع ذلك
لكونها تعود من دولة آسيوية، شرقية.

كانت علامات الاستفهام ترتسم على محيى الجميع. [ Pay 25$ for the Bus tore ] قالتها الآنسة
“ نسيت اسمها "، الكندية من أصل هندي. دفعت كبقية الطلبة. ذهبت بعدها إلى Rocky Room.

Rocky Room هي إحدى غرف التدريس. و هي الغرفة الأكبر التي يجتمع فيها المستجدين لإجراء
المقابلات المبدئية معهم و اختيار الحصص الإضافية.

طاولة بيضاء. برميلان، إن صح التعبير، يحتويان على قهوة ساخنة من ستار بوكس. صحن من الدونات.
سكر و حليب مركز. طلاب يتوزعون في القاعة. توجهت إلى الطاولة البيضاء، أخذت نصف كوب من القهوة
و قطعة دونات " سادة " صغيرة و جلست بالقرب من السبورة. بجانبي تجلس فتاة ملامحها طفولية.
التفت على بابتسامة لما أقابلها بالمثل. لا أعلم هل تبتسم لي أم على ! مجتمع مختلف يجب توقع الأسوأ
فيه دائماً، أو كما اعتقدت.

أرى حلقات من الطلبة استطاعوا خلال دقائق معدودة تكوين حبل التعارف. أنا " الشخص الإجتماعي " كنت
في أضعف لحظاتي. لا أدري لماذا !

في الزاوية الأخرى من الغرفة يجلس طالب تبدو عليه سمات سعودية. التقت أعيننا فابتسم. ابتسمت و
تنحيت بوجهي عنه. أخشى مخالطته فنبدأ الحديث باللغة العربية. لم أستطع الاحتكاك بأحد و لم يقم أحد
بالاحتكاك بي. نعم، هو شعور رائع حينما تجلس بين الناس من دون أن يتدخل أحد بك. و لكنه وقت
المعرفة. تعرفوا !


خرجنا في الرحلة التي دفعنا الخمسة و العشرين دولاراً فيها. جلس السعودي بجانبي و سلم. رددت عليه
السلام و سكت. بدأ سائق الباص بإلقاء المعلومات السياحية بأعلى صوته، فالمايكرفون " بتاعه " متعطل.
توقفنا عند محلات نحت الخشب. ثم توجهنا إلى سوق كبير تجد فيه كل شيء. غير أني بعد ذلك اليوم لم
أجده !

كانت رحلة جميلة. تعرفت فيها على السعودي الذي كان يتحدث إلي بالعربية حتى أخبرته بضرورة
الحديث باللغة الإنجليزية حتى يتطور مستوانا. كانت العملية بالنسبة له صعبة، و لكنها أنجع.

أخذنا الجداول بعد عدوتنا المتأخرة إلى المعهد.
لم نعد إلى المنزل. تعرفت في رحلتي تلك على مجموعة من الطلبة. شاب من هولندا، و آخر من السويد،
و فتاة من دولة نسيتها. اتفقوا جميعاً على الذهاب إلى البار. و قاموا بدعوتي للالتحاق بهم.

نكمل غداً ..


صور مختارة

منظر مطل من الجهة الخلفية للسوق اللي نلقى فيه كلّش !
إحدى الصور التي توضح طبيعة فانكوفر الخضراء

2009/08/02

في فانكوفر .. ٣


فور وصولي إلي مطار فانكوفر، توجهت إلى صالة الاستقبال، ألتفت يمنة و يسرة لأتمكن من
رؤية جميع معالم هذا المطار. لم يكن بجمال مطار سنغافورا، أو مطار هيثرو، لندن، و لكنه
بالطبع كان أجمل بكثير من مطاراتنا.

بعد سؤال عدة أشخاص تواجدوا كموجهين و استعلامات تمكنت من إيجاد المشرفة على طلبة المعهد.
سرنا معها نحن الأربعة، سعودي و برازيلي و مكسيكي و أمريكي، و السؤال الذي حيرني [ وش
جاب الأمريكي يدرس انقليزي !! ].
ركبنا " ميني باص " و توجه بنا إلى سكننا العائلي. قام بإيصال البرازيلي، الذي كان أكثرنا
جرأة و اندماجاً مع السائق. حيث دارت بينهم محادثات مختلفة عن هوية السائق، ثم الكلام عن
المنتخب البرازيلي، و أخيراً الحديث عن فانكوفر و مدة الإقامة فيها. كنت كمستمع أتلذلذ بالـ " آكسنت "
المميز الذي يتمتع به الناطق باللغة البرتغالية، حقيقة و قبل مجيئي إلى فانكوفر كنت قد بنيت في
مخيلتي عدة تصورات عن شعوب دول العالم. تصورات كان أساسها قواعد مما أرى على شاشة
التلفاز. فمثلاً، كنت أعتقد أن الشعب المكسيكي هو شعب يرتدي القبعة الكبيرة المستيرة و بيده قيتار
و يعيشون في صحراء تدور فيها أكوام من القش !. و بعد مجيئي، الغالبية العظمى من أصدقائي
من المكسيك ! أحببت المكسيك.

لم يبق سواي أنا و المكسيكي في " الميني ". أوصل المكسيكي قبلي، و حين خروجه إلتفت إلي
و قال : [ أديوس ]. كنت واضعاً " الهيد فونز " فلم أستطع تمييز ما يقول. خلعتها و قلت:
[ سوري ؟! ]. قال: [ أديوس ]. اكتفيت برسم علامة تعجب على محياي. كأنه أراد تدارك الموقف
و قال: [ where are you from ? ]. أجبت: [ From Saudi Arabia ]. ابتسم و اعتذر
ثم ذهب.

كلما قام السائق بإيصال أحد الطلبة كنت أنظر إلى كل عائلة كيف تستقبل طالبها، و أتساءل
بيني و بين نفسي: هل عائلتي الجديدة ستتكون من زوج و زوجة ؟ أم مجرد رجل فقط ؟ فقد
أخبرني المعهد مسبقاً بأن العاذلة في كندا لا تعني مطلقاً وجود زوج و زوجة و أبناء. فربما تكون
كذلك، و ربما زوج و زوجة فقط. أو رجل لوحده.
كم عدد الطلاب الذي سأسكن معهم ؟ و من أي البلدان يجيئون ؟ أسئلة كثيرة كان الشوق
يسبقني إليها.

كان منزلي هو النقطة الأبعد عن المعهد مقارنة ببقية الطلاب معي. وصلت إلى منزلي و اتجهت
إلى الباب الأمامي مع السائق. وجدنا ورقة كتب عليها [ نعتذر لعدم تواجدنا الآن في المنزل،
لقد قمنا بالخروج إلى البحر، الرجاء من الطالب الجديد التوجه إلى الباب الخلفي و سيقوم أحد
الطلبة بفتح الباب له. إذا واجهتم أي مشاكل قوموا بالتواصل معنا على الرقم المدرج ].

حقيقة، لم يكن استقبالاً حاراً كما تخيلته. لم يكن إستقبالاً من الأساس !
توجهنا إلى الباب الخلفي. طرقت الباب. و هنا حصلت المفاجأة ! كان في استقبالي طالب سعودي.
[ اكتملت ! ] قلتها في عقلي. قال: [ ارحب ! السلام عليكم ] و مد يده تجاهي. من غير إدراك مني
قلت: [ Hello ] و مددت ذراعي. أقسم أني لم أكن أعي ما أقول من شدة صدمت الموقف !
تخيلتني أعيش مع عائلة كندية، يسكن معي طلبة مختلفين من بقاع مختلفة من العالم، غير السعودية !.
و لكن حدث ما لم يكن بالحسبان.

اعتذرت له و قمت برد السلام. ودعني السائق الكندي، من أصل أسترالي، ثم ذهب. دخلت مع
محمد، الطالب السعودي، إلى المنزل حيث أخذني في جولة حول المنزل. أخبرني بأن تلك الغرفة
هي غرفتي. كان موقعها رائع. أمام المطبخ مباشرة و بجوار مخزن الأحذية، و هي أقرب غرفة للباب الخارجي.
كما أن غرفتي هي أكبر غرفة في المنزل، و لديها نافذة تطل على الحديقة، و الأخرى على بيت الجيران.
" يعني أنواع القزقزة ! << سعودي ".

بشورته الأحمر و فنيلته البيضاء " المسفطة " و خطوط النوم مرسومة على وجهه اعتذر مني محمد قائلاً:
[ المعذرة، بس أنا ما أسكن معك هنا ... ] هنا انفجرت أساريري طرباً [ ... بس ثنين من
عيال عمي هم اللي ساكنين معك، حسين و أحمد ] هنا ماتت تلك الأسارير.

حتى المساء لم ألتق بالعائلة. مع أني لم أقم بغلق بابي حتى أتمكن من مقابلتهم. فور دخولي
إلي غرفتي قمت بخلع ملابسي و أخذت " دشاً " سريعاً و صليت الظهر و العصر جمعاً و قصراً،
بعد أن قمت بسؤال محمد عن القبلة التي كانت بالنهاية خطاء !

في المساء خرجت إلى المطبخ لأجد ثلاثة أطباق من المكرونة و اللحم المفروم. بذكائي المتدفق،
استنتج أن الأطباق لي أنا و أحمد و حسين. لا أعلم من أين أتت و أين ذهب من أتى بها، ولكنها
أتت.

أخذت طبقي و ذهبت إلى الثلاجة لأبحث عن عصير يساعدني على " الزرط ". كتب على الثلاجة
[ الرجاء مساعدتنا على التنظيف. كل طالب يقوم بغسل أطباقه بعد الأكل. و من يريد تناول وجبته
خارج المنزل، نرجو أن يكون لدينا خبر مسبق بذلك حتى لا نقوم بإعداد وجبته. أيضاً، قم بترتيب
غرفتك، خاصة في أيام الويك إند. نتمنى لكم إقامة ممتعة معنا. آلفيس ]

فتحت الثلاجة. وجدت ثلاثة علب من عصير التفاح، و ثلاثة من المنجا. “ على فكرة، أحس كلمة منجا
تجيب لي المر ! ”. بيت لا يوجد فيه عصير برتقال ؟؟!

كان عصير التفاح أقرب إلى ذاذقتي من عصير " المنجا ". أخذت الطبق و العصير و عدت إلى
غرفتي لأتابع مسلسلي.

بدون أن أشعر، نمت حتي أذان المغرب. أذان المغرب هنا في الساعة التاسعة مساء. بعد دقائق
من " التمغط " سمعت " طقطقة " في المطبخ. غير آبه بوجه المتنفخ من آثار النوم، خرجت للقاء
العائلة. كان أحمد و حسين يغسلان الصحون.

[ ارحب ! المعذرة، أزعجناك ؟ ] قال حسين، الذي يبلغ من العمر ١٨ سنة غير أنه يبدو أكبر من
ذلك بكثير شكلاً و أسلوباً. التفت إلي أحمد و قال: [ أهلاً أهلاً، حي الله السعودي و يا هلا بريحة
الحبايب ! ]. بعد أيام من التعارف صدمت بعمر حسين، ٢٧ سنة لم تكن ظاهرة على فكره أو
شكله.


توجهنا إلى صالة المنزل. جلسنا حول التلفاز نتحدث و نتسامر. [ وين العايلة ؟ كل ذا بحر ! ]
سألتهم. قال حسين: [ موجودين فوق ! ].

قاموا بإيضاح الصورة التي لم تكتمل في رأسي. فالغرف الموجودة في الدور الذي كنت فيه
لا تكفي لثلاثة طلبة مع العائلة !. سألتهم: [ و الحين كيف نحتك فيهم و نسولف معهم و نطور لغتنا ؟ ]
[ والله شف يا طويل العمر، هم كل يوم ينزلون و يحطون العشاء لنا. طبعاً فيه كورن فليكس
و فيه توست و جبن و كلش عندنا إذا تبي تسوي لك فطور. و إذا نزلوا تقدر تحتك فيهم. و أحياناً
يجلسون معنا و يسولفون ] كان أحمد يتحدث بينما حسين منشغل في أكل رقائق " التشيبس "
و مشاهدة التلفاز بابتسامة غريبة على محياه.

قبل ذهابنا للنوم، نزل إلينا آلفيس، شاب ثلاثيني من العمر من البوسنة و الهيرسك. قام بالترحيب
بي، ثم سلك الحديث مسلكه تجاه كندا و عن الأماكن التي يستحسن على زيارتها. أنهينا الحديث
و توجه كل منا إلى فراشه.

لم تكن الوقائع تصل إلي حد التطلعات. و لكنها أفضل من لا شيء !


صور مختارة ( اضغط على الصورة للتكبير )




صورة غرفتي، سريرين.


المنظر الذي أطل عليه من الغرفة.