كانت رحلتي الأولى إلى Stanley Park هي في يومي الدراسي الأول، في جولة الباص حول المدينة.
في محطتنا الثانية توقفنا في " البارك " و بدأ المرشد السياحي " السواق " بالتحدث عن الحديقة.
أخبرنا عن سبب تسمية " Deadman's Island “ بهذا الاسم. و يرجع ذلك إلى وقت الاستعمار، حيث
قام الكنديين بإجراء اتفاقية مع السكان الأصليين تنص على أنهم لن يقتلوا الأطفال و الناس شريطة ذهاب
الرجال منهم إلى تلك الجزيرة و قتل أنفسهم ! وافق السكان الأصليون على ذلك، و سميت بذلك الجزيرة.
في منطقة أخرى من الحديقة نزلنا. أخذنا السائق في جولة على الحديقة " الغابة ! “، قمنا خلالها بعبور
عدة جسور خشبية " زي اللي بالأفلام =) “ كان عبورها يسري في جسدي شعوراً لذيذاً من " الحماسة ".
كانت حصتي الأولى صبيحة يوم الثلاثاء. بعد أن قمت بشراء بطاقة الـ " Bus Pass “ و التي من خلالها
أتمكن من ركوب الـ Bus أو الـ Sky Train من دون شراء تذكرة. بهدوء تام دخلت الفصل. نويت إلقاء
السلام، كعادتي في الجامعة !، و لكن [ شدراهم بالسلام ؟! ]. [ أقول Hello ]، و لكنها أتت متأخرة. حجرة
صغيرة، كراسي مبعثرة على ثلاث طاولات منفصلة. جلست في الطاولة التي لا يجلس عندها أحد. لم يحضر
المدرس بعد، أو المدرسة !. طالب قصير يدندن مع أغنية يسمعها من " آيبودّه "، و أخرى تتحدث مع جارتها
بصوت خافت خجول، و ضحكات تملؤها المجاملة. هل هكذا هي مجتمعات البنات في فصولهن لدينا ؟
أم أنهن هكذا إذا تواجد الشباب فقط ؟
[ Good morning ! ] دخلت المدرسة بابتسامة عريضة. [ How are you ? ] تسألنا و ما زالت
ابتسامتها العريضة مرتسمة على محياها. بوجه طفولي و جسم قصير و أسنان كمقدمة أسنان سنجاب
تتكلم، و بنطق مميز لحرف السين ـ أقصد s !! ـ . [ Fine ] إجابة لم تكد تخرج من أفواه طلبة جدد. سكوت
أعقبه عبوس من مدرسة إعتادت التمثيل [ Aren't you going to ask me how am I ? ]. لم يجب
أحد. [ I'm Fine. Thank you for asking ] “ محد جاب خبرك ! “ قلتها في نفسي. بدأ التعريف
بالطلبة اسماً و عمراً و من أي بلد أتى. طالبان من البلجيك، و ثلاثة طلبة من المكسيك، و ثلاثة طلبة
من البرازيل، و طالبة من تايوان، و طالب سعودي ( أنا ). المدرسة Lisa كندية من أصل كندي، غير أن
جدها الأكبر يعود إلى ألمانيا. يبدو أن الكنديين أنقرضوا !
كانت الحصة الأولى و الثانية، و بقية الحصص، مع تلك المدرسة حركية بشكل جميل. كان جل تركيزها على
القواعد. لم أستطيع تكوين صداقة بسهولة. ربما لأني كنت شديد الحرص على نقل صورة مشرفة عن أبناء
بلدي لدرجة الخوف من الإختلاط بالبنات. أو أن فكرة اختلاف الثقافات كانت حاجزاً يمنعني من التقدم خطوة
تكون في نظر ثقافتهم خاطئة !. كان في نظري البقاء في مكاني بدون أصدقاء خير من التقدم خطوة ترجعني
إلى الخلف.
أعود من المدرسة إلى المنزل، أصلي الظهر و العصر ثم أتناول وجبة العشاء. طبق جديد كل يوم، و طبخ
أفضل مما كنت أظن. زوجة Alvis لم أرها حتى الآن. في إجازة نهاية الأسبوع، صحوت على " قربعة "
في المطبخ. لم أخرج من غرفتي حتى هدأ الوضع و تأكدت من خلو المطبخ من الأشخاص. خرجت لأجد
“ المدام " في وجهي. بملابس النوم و خطوط الوسادة " لاعبة في خشتي " كان اللقاء الأول. كنت شديد
التحرج !. بخطوة مترددة إلى الخلف، لم تكن مقصودة، وضعت قدمي. اختلاط الثقافات و جذور الدين التي
زرعتها أمي و المدرسة و المجتمع لا بد أن تثمر في القلب حياء و خشية. عقلي المبرمج على الصدود عن
طيف كل أنثى لم يكن مبرمجاً قط على رد تحية أنثى في أحد " الصباحات ". [ Hey ! ] قالتها بابتسامة
أيضاً. بخجل واضح قلت : [ Hey ]. لم تكن الحادثة الأولى و لكنها كانت الأصعب. [ How are you ? ]
بدأت تسألني و كأني " فاضي ". [ I'm fine, thanks for asking. And you ? ].
[ I'm fine thank you. You seem like you know how to speak English, so why did you com to learn ? ]
[ أيوااااااا .. طرده من أولها ! ] [ Well, improving my English Is one thing of many things
that I came for ]. تقاش طويل لا أذكر آخره، و لكني أذكر تماماً تعجبي من ثقتها بالحديث معي و هي
أنثى و أنا الرجل خجول !. ذهبت لأخذ " دوش " مستعملاً " شامبو " حسين. سألته عن كيفية استخدام
مغسلة الملابس، و من أين يمكني شراء " فيش كهرب "، و عن أقرب " Coffee Shop “.
أحمد، خجول بشكل لا يتوافق مع شخصيته. بعد تعرفي عليه في اليوم الثالث اكتشفت أني أعرف في كندا
أكثر مما يعرف !. فهو لا يخرج كثيراً و لا يحب الإختلاط بأحد. كان، كما قال، يعيش في نجران في قريتهم
لا يذهب إلى المدرسة بانتظام. متعته ترتكز على إبريق شاي يشربه أمام " الحلال "، ماشيته. أسلوبه و طريقة
تعامله تنبيك بما يكتنفه شخصه من نخوة و رجولة.
نهاية الأسبوع يوم السبت، لأن الأسبوع هنا يبدأ الإثنين و ينتهي الأحد، أيقظته الساعة الحادية عشر.
و أمرته بالاستعداد لأننا سنخرج بعد ساعة. إلى أين ؟ " مش مهم ". بعد ساعة توجهنا إلى الـ
“ Metro Palace “ أكبر سوق في المدينة. لم نشتري أي شيء، تجولنا فقط. ثم توجهنا إلى " China Town “
الذي حاول تحذيري منها بسبب كثرة السرقة فيها و عمليات النصب. كنت أعلم أن غالبية القصص التى
تروى غير حقيقية و لو كانت حقيقية فهي لعجائز، أو حوادث وقعت في " تالي الليل ". وصلنا إلى القرية
الصينية. مررنا بجانب المحلات سائلين عن مطعم صيني جيد. كل المطاعم من شكلها الخارجي توحي
بمستوى لا يليق بمسمى مطعم. كنت أتضور جوعاً، و لا أعلم عن أحمد، و لكني لم أكن أحب الأكل الصيني.
كنت أريد فقط تجربة الـ " Sushi “. أعلم أنه لن يعجبني، و لكني سأجرب. ذهبنا إلى مطعم أوصتنا به
إحدي الصينيات. قدموا لنا شراباً في البداية. توقعته خمراً، و لكنه كان ساخناً !. أخبرتنا النادلة بأنه شاي.
كان مراً، و لا يوجد بجانبنا سكر. من عادة الصينيون أنهم يشربون الشاي المر مع أكلهم. طلبنا " ببسي
و ميرندا " و اعتذرت النادلة لأنهم لا يقدمون Sushi. طلبنا طلبات مختلفة كانت أكثر من اللازم. كان المذاق
رائعاً، لدرجة أنّا أكلنا حتى امتلأت بطوننا و بتنا نضحك على أتفه النكت !.
عدنا إلى Metro Town لنشاهد فيلم The Hang Out، الذي شاهده أحمد من قبل. كان فيلماً جميلاً.
عدنا بعده إلى المنزل.
كانت تلك الرحلة القصيرة نقطة تحول لدى أحمد. اتفقنا على الخروج نهاية كل أسبوع لولا أني انتقلت للسكن
مع عائلة جديدة بعد تحدثي مع مسؤولة السكن عن مشكلة سكني مع طلبة سعوديين. حيث اتضح لديها
أني أسكن مع العائلة الخطأ.
بعد أسبوع من السكن مع أحمد و حسين و Alvis و " مرته " انتقلت للسكن مع عائلتي الحالية.
صور مختارة
مدخل المدينة على Stanley Park
صورة من Stanley Park
إحدى الجسور الخشبية في Stanley Park
بوابة الدخول على Chin Town
طلبنا ( رز ـ شوربة كريمة دجاج ـ دجاج كاري ـ نودلز " في الصورة الأخيرة " )
أول ما جا الأكل قمنا نتفلسف بالأعواد الصينية
يوم ذبحنا الجوع قلبناها بالشوكة و طلبنا ملاعق ! الطبق اللي عليه الشوكات هو النودلز