2009/09/01

حدود صفراء





كثيراً ما تراودني أسئلة تقف على حدود تفصل بين الدين و التقاليد. الشريعة و المبادئ. أسئلة
لا أعرف لها " صحاً " و لا " غلطاً " ! أحاول الغور في التفاصيل ـ كعادتي ـ لعلى أجد فيها
بصيص هداية يدلني، و لكني أعود دوماً بحِملٍ من الأسئلة يفوق ما حملت !

الوقوف على هذه الحدود ( الدين / التقاليد ) يتطلب شجاعة و دراية. فقهاً بالدين و الدنيا.
يتطلب يداً تمسك بمنتصف العصا فلا تفرط و لا " تنفرط ". عقل تحليلي يستطيع توقع القادم
من الأيام. فراسة لما تكتنف الأحكام من أمور و ما تتوالده من ردود أفعال. فلا مجال لأحكام
متسرعة تصدر، و لا لعواطف تقودها فتَدْمُر.

زمننا هذا كثر فيه المفتون و المتحدثون و الناصحون و العالمون، حتى لم يكد يبقى منا من يتلقى
هذا الكم الهائل من العلم ! بتنا نعتمد على غيرنا في أبسط أمورنا. سلمنا أمورنا لغيرنا و
سلبنا أنفسنا متعة البحث و التفكير و تحريك هذا العقل الذي لم يخلقه الله عبثاً. في اعتقادي أن
الوقت قد حان لنحلل. لنشغل " ماطوراً " بلي في جماجمنا. لنبدأ رحلة جديدة في الحياة تنطلق
من نظرة تحليلة أدق. لنصل إلى صورة شاملة أجمل.

هنا، لا أتكلم عن المسائل الفقهية. و ما قصدت المساس بأصول الدين و الشريعة. فالعلماء
هم مرجعنا فيها. و كم هو جميل أيضاً لو بدأنا بطلب العلم و الاستسقاء منه قدر الاستطاعة،
لا اللجوء إليه وقت الحاجة فقط. حديثي هنا عن نقاط خلطناها مع الدين خشية سقوطنا فيما
يلامسه. لن أبحر معكم في كل شي، و لكني سأطرح نقاشاً حول بعضه.



الشبكة العنكبوتية ـ العالم الذي ترسمه بنفسك ـ هي نقطة النقاش هنا. باستطاعتك أن تشكل
كل ما تريد على كيفما تشاء. بداية بتحديد جنسك، و نهاية بطريقة تفكيرك.

في أول الأمر، و مع بدايات دخول " النت " علينا كنا نخشاه. النصائح المنهالة علينا من قبل
الجميع حول مخاطره و كيف أنه السبيل المختصر للوصول إلى الشر. و [ انتبه لا تقول لحد
اسمك و لا وين ساكن ترى بعدين يمسكونك و يبهذلونك ]
. [ انتبهي من عيال الحرام، محد
منهم يبي لك الخير. كلهم يبون يوصلون لشي و خلاص ]
. قد نتفق جميعاً على أن هذه النصائح
و التحذيرات لامست الحقيقة حينها. و لكن، هل ما زالت هذه التحذيرات تربط بواقعنا اليوم ؟ أم
أن الوعي الذي يسود عدداً المستخدمين قد ارتقى إلى مراتب تزول معها التحذيرات ؟
هنا
سنختلف كثيراً.


كثير ممن أحب و أحترم من الشباب، أصدقاء و زملاء، يستخدمون " النت " بشكل يومي،
ضرورة و تسلية. مثلهم أنا أستخدمه. و طريقة استخدامي، كغالبيتنا، تختلف كثيراً بين حين و
آخر. من المبادئ التي أعيش عليها و رسمتها دستوراً لي لا أحيد عنه أبداً هي عدم إضافة
البنات في أي برنامج أستخدمه فيها. لا أعلم، حقاً، أهو دافع ديني أم أخلاقي ؟ أم هو شعور
بغيرة الأنثى التي سترتبط بي حين تعلم ؟

ما الذي يجعل تواصلي الغير مباشر يختلف في حكمه عن تواصلي المباشر معهن ؟ و ما هو
الخط الذي يفصل بين صوت المستفتية لشيخ على برنامج تلفزيون وصوت مكالمتها لشخص آخر ؟
هل حينما أجد الشيخ الفلاني و الذي أثق بالتزامه يسمح بإضافة النساء في حسابه في الـ
Facebook يشرع لي الاقتداء به ؟
و هل هو خطأ في أساسه لو فعلته ؟ أم أن الابتعاد عنه
هو مجرد التورع عن الشبهات. حتى لا أكون كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه !


في رحلتي طلبت مني إحدى المدرسات إضافتها على إيميلي لأخبرها عن الإسلام أكثر.
زودتها برابط يتحدث عن الإسلام و إيميل إحدى المراكز القادرة على إفادتها ثم اعتذرت منها
عن الإضافة بحجة أني لا أضيف النساء في إيميلي و ذلك لا دخل له بديني. تقبلت الوضع كما
توقعت، و ما برحت هذه الأسئلة تغزو فكري.

ما هي الحدود التي نقف عندها ؟ و هل تختلف هذه الحدود من حالة إلى أخرى ؟ و من يحددها،
عقولنا أم شيخ واعظ و طبيب نفساني حاذق ؟


بالطبع لي وجهة نظر لم تطرح في هذا الموضوع. حاولت الحيادية قدر المستطاع حتى أقرأ فكركم، و أستنير بآرائكم.

الصورة من تصوير http://www.flickr.com/photos/32305115n04/