2010/02/01

يا بنغالي






يستحثني سؤال على نسق سؤال الدجاجة و البيضة، يقول السؤال: من أتى أولاً، إزدراؤنا
للبنغالية أم سوء " عمايلهم " ؟! و هل كان بالإمكان تغيير حالهم معنا بمجرد إحسان
الظن فيهم و معاملتهم كشعب خلوق لم يكن ليتواجد في أرضنا لولا سَوق الحاجة له إليها ؟!


بموجب قوله الله تعالى: (أنا عند ظن عبدي بي)، و المثل القائل: [ على قدر نياتكم ترزقون ]،
و حديث الرسول: (تفاءلوا بالخير تجدوه)، و بالإستئناس بقانون الجذب ـ إن جاز
الاستئناس به ـ أقول: هل كانت لتتغير الأحوال على ما هي عليه لو تغيرت أحكامنا المسبقة
التي لم تبن على أسس قويمة ؟! و لماذا نعمد أساساً إلى إساءة الظن ؟ و إدانة المتهم حتى
تثبت براءته ؟ أهو نوع من توخ الحذر ؟ أم ظلم تقنّع بقناع الحيطة ؟

حينما أراد أبناء يعقوب ـ عليه السلام ـ أن يأخذوا يوسف ـ عليه السلام ـ معهم
و يتموا به خطتهم، أوجس يعقوب منهم خيفة و قال موارياً ما في قلبه : (إني أخاف
أن يأكله الذئب و أنتم عنه غافلون) و كل ذي لب سمع بقصة يوسف و قرأ آيها ليعلم
أن الذئب لم يكن خوف يعقوب الأول، و إنما كان الغطاء الذي به أخفى يعقوب
خوفه الحقيقي [ غدر أبنائه بأخيهم ] ! أما أنه لو أحسن الظن بهم أكانوا لفعلتهم
منجزين ؟ و هل كانت خطتهم نتاج لتخوف أبيهم المسبق منهم على يوسف ؟

من منا يعيش في محيطه من يتصف بالحذاقة و الذكاء و الفطانة ؟ لو تفكرنا في
هؤلاء لوجدنا أنهم أحيطوا بهالات من المدائح و التشجيع و إحسان الظن و الرسائل
الإيجابية منذ صغرهم، حتى اكتسبوا إيماناً عميقاً بقداتهم و مواهبهم ـ حتى و إن لم
توجد تلك المواهب !. و في المقابل، نجد أن الأفقر منهم حظاً و الأقل نصيباً من الذكاء هم
أؤلئك الذين تشبعوا ذماً و انتقاداً هادماً و إساءة بالظن و نعتاً بألقاباً تخدش وجه الثقة
و تقتل روح الإيمان بالنفس ! فلو أننا أحسنا الظن في من أخطأ و أسمعناهم
من جميل الكلام ما يسري عنهم خطأهم و يذهب عنهم سلبيات أفكارهم لكان خيراً لنا و لهم.


لماذا نخشى قيادة سيارات غيرنا ؟ لأنه ـ و بمنتهى البساطة ـ ينتابك هاجس بأن حادثاً
سيقع، و " تتوهق " مع صاحب السيارة، حتى و لو كنت ماهراً في القيادة متمرساً
لها. تقوم بإرسال رسائل سلبية تشكك في قدراتك و تطعن في ثقتك حتى ترتكب الخطأ،
و تسيء الظن حتى تجني ما زرع فكرك. حينما أقرأ " حياتك هو ما تؤمن به " أتيقن
أن قائلها قد مر بموقف قاد فيه سيارة غيره.

الأخطاء تنتج ـ دوماً ـ في البيئة التي نكثر فيها الشك بقدراتنا، و تحت ضغط المراقبة،
و في الأوقات التي يرسل فيها الآخرون لنا إيحاءات سلبية، همزاً كان أم لمزاً.

لنحسن الظن بالبنغالية حتى تثبت إدانة المخطيء. لنعزز من ثقة الآخرين بأنفسهم لننتج.
و لنرسل إلى ذواتنا رسائل إيجابية لننعم بعيش هنيء و صحة نفسية تنعكس
على صحة أبداننا.

قبل أن أقفل، أريد أن أطرح تساؤلاً: ألم يكن شك يعقوب بخبايا نفوس أبنائه
إلا بعدما رأى منهم تصرفاً يبرر شكه ؟ لعل له عذر و أنت تلومه !

دمتم بود.