2013/09/15

لماذا ابني ليس ذكياً؟ "افتا"

لماذا ابني ليس ذكياً؟ "افتا"




قبل عدة سنوات ـ في المدرسة ـ كنت أجد صعوبة في التركيز أثناء شرح المعلم. كنت ألوم نفسي كثيراً على ذلك، بالرغم من بذلي مجهوداً كبيراً حتى أكون حاضر الذهن أثناء الحصة. غالباً ما تنتهي محاولاتي بالفشل. إذ أخرج بخيالي خارج حدود الفصل إلى عالم مختلف تماماً لا يقطعه إلى صراخ المعلم لي: فراس وين رحت! اعتقدت آنذاك أني لم أعد أحب المدرسة، و لم أعد أستمتع بشرح المعلم كما كنت. بدأت تسكنني فكرة أني طالب كسول و أن مستواي الدراسي سينخفض تبعاً لذلك. اكتشفت صدفة بعد فترة أني لا أستطيع قراءة اللافتات البعيدة نسبياً في حين كان أصدقائي لا يجدون مشقة في قراءتها. أجريت فحصاً لنظري فوجدت أن لدي ضعفاً و انحرافاً في النظر. نصحني الطبيب بلبس النظارة ففعلت. أصبحت الحروف أوضح، و الكلمات أقرب، و بات التركيز عملية سهلة. تحسن مستواي الدراسي و عادت نفسيتي للدراسة كما كانت. 

أحياناً نعتقد أن أبناءنا كسولين، و لا يعطون الدراسة القدر الكافي من اهتمامهم. نراهم ينشغلون كثيراً بأي شيء عنها، بالرغم من ذكائهم إلا أنهم غالباً ما يستغلون هذا الذكاء في شيء لا يفيدهم! ما الحل إذا؟ الحل أولاً هو معرفة المشكلة. قد يكون طفلك مبدع حقاً و لكنه يعاني من شيء تجهله. ضعف في السمع، أو في البصر كحالتي، أو يعاني من شيء آخر تماماً. 

لماذا أكتب هذا الموقف الآن؟ السبب بسيط جداً. في شهر رمضان دعاني صديقي لحضور حفل سحور أقامته إحدى الجمعيات، جمعية  افتا: جمعية دعم اضطراب فـرط الحركة و تـشتت الانتباه. في ذلك الحفل سمعنا معلومات مهولة عن هذا الاضطراب الذي قد يكون الكثير من أطفالنا مصابين به دون علمنا. فعدد الأطفال المصابين بهذا الاضطراب في الرياض فقط يبلغ ١٢,٦٪ و في الدمام النسبة أكبر، إذ تبلغ ١٦,٧٪ !

لماذا موضوع افتا يهمني؟ لأن الموضوع خطير جداً. فبالرغم من كمية الإبداع الموجودة فيهم فإنها إن لم تستغل كانت سلاحاً خطيراً ضد المجتمع. سأذكر بعض الآثار السلبية التي تنتج عن المصابين بهذا الاضطراب:

ـ ضعف التحصيل الدراسي: طرد من المدرسة، توقيف، عدم الحصول على شهادة ثانوية.
ـ طلاق و انفصال الوالدين نتيجة كثرة المشاكل حول ابنهم دون علمهم بالسبب.
ـ يميلون للـ: السرقة، اقتحام المنازل، التعدي الجسدي، التعدي بالسلاح، و الاعتقال أخيراً.
ـ نسبة الجرائم لأطفال افتا ٤٦٪ و أقرانهم السليمين ١١٪.
ـ يلجأ للتدخين قبل سن ١٦ سنة ٧٥٪ من المصابين بافتا.
ـ أكثر عرضة للإدمان على: الهيروين / ماريجاوانا / كريستال ميث / الغراء / الكوكايين / الكحول.

هذه بالنسبة للأضرار السلبية التي يقع تأثيرها على المصاب و أهله. أما بالنسبة للخسائر المادية على الدولة، ففي أمريكا قاموا بإجراء إحصائيات حول هذه الخسائر فخرجوا بالأرقام التالية:

ـ ١٣,٦ مليار دولار سنوياً تكلفة المشاكل الأكاديمية.
ـ ٣٠٧ مليار دولار الخسارة المالية الناتجة عن الخسارة الإنتاجية للمصابين بافتا.
ـ ١٢,٨٦٨ دولار للفرد الواحد و هي التكلفة الناتجة عن جرائم الفرد الواحد من افتا. أقارنهم السليمين تبلغ متوسط تكلفة جرائمهم إلى ٤٩٨ دولار.
ـ ٤٢ مليار دولار سنوياً هي التكلفة الاقتصادية لافتا (تكلفة التعليم و الصحة و الجريمة).


السؤال الآن: هل ابني مصاب بافتا؟ تستطيع أن تعرف إجابة هذا السؤال بنفسك من خلال ملاحظة الأعراض الثلاثة الأساسية لهذا الاضطراب على ابنك و هي:

ـ تشتت الانتباه.
ـ فرط حركة.
ـ الاندفاعية.


و هذه الصورتان ستوضحان لك أكثر ما هي الأعراض و كيف تكتشفها:

تشتت الانتباه و فرط الحركة


الاندفاعية 


حتى إن وجدت هذه الأعراض الثلاثة في ابنك فهناك أربعة شروط يجب أن تتواجد فيه:

١ـ أن تظهر عليه الآثار قبل سن السابعة.
٢ـ أن تحدث الأعراض في مكانين مختلفين على الأقل: المنزل ـ العمل ـ المدرسة ...إلخ
٣ـ أن تؤثر بشكل سلبي و كبير في جوانب متعددة من حياته: اجتماعياً، مهنياً، تعليمياً.
٤ـ أن تستمر الأعراض لأكثر من ستة أشهر و أن لا يكون ظهورها نتيجة لحالة عاطفية مرضية أو عقلية.


بعد أن تتأكد من أن ابنك يعاني من افتا فإن العلاج يتكون من ثلاثة أقسام: دوائي، و تربوي، و سلوكي. طرق العلاج سهلة و لمعرفة المزيد يمكنة التواصل مع جمعية افتا :

الموقع: http://ar.adhd.org.sa/
الحساب في تويتر: https://twitter.com/adhdarabia


الجانب المشرق من الموضوع: افتا يدفعك للإبداع! فتشتت انتباههم و فرط الحركة لديهم ينتج عنه الكثير من الأفكار الخلاقة و الطرق الجديدة التي يندر على غيرهم الوصول إليها. هذه بعض الأمثلة لمشاهير العالم الذين أبدعوا و هم مصابون بهذا الاضطراب: 


ألبرت أينشتاين: من أشهر علماء الفيزياء في العصر الحديث و صاحب النظرية النسبية


والت ديزني: الشهير مؤسس أشهر شركة إنتاج صور متحركة في العالم


مايكل فيلبس: السباح الأمريكي محطم الأرقام القياسية و صاحب الميداليات الذهبية


أجاثا كريستي: صاحبة أشهر الروايات البولوسية




     ختاماً؛ يجب أن نعي جيداً أن هناك أسباب خلف كل مشكلة يقع فيها الآخرون، بعضها نعلمها و البعض الآخر نجهله. لذا قبل أن نوجه أصابع الاتهام لمن أخطأ يجب أن ندرس كل الاحتمالات و لا نستعجل. فقد يكون سبب تأخر ابنك الدراسي خارج عن ارادته، مصاب بـ افتا مثلاً.

2013/07/21

لماذا يتوقف الآخرون عن حبنا؟



لماذا يتوقف الآخرون عن حبنا؟




متى نتوقف عن حب الآخرين؟ أو متى يتوقف الآخرون عن حبنا؟ لماذا تستمر بعض العلاقات و البعض الآخر تنقطع؟ هل حبنا لغيرنا مصلحة ينتهي بانتهائها؟ بارتوائنا منهم؟ لماذا تدوم الصداقات فترة أطول من علاقات الحب؟ و لماذا تنجح زيجات و تفشل أخرى؟ في الحقيقة؛ هي قاعدة في الحب بسيطة تشرح كل شيء: ينتهي حبنا للآخرين حينما يزول ما كنا نحبه فيهم.


لو أن رجلاً أحب امرأة لجمالها لانتهى حبه لها حينما تشيخ ملامحها. و لو أحبت امرأة رجلاً لأنه يضحكها لنضب حبها له حينما تصبح نكاته في نظرها سمجة. لذا فإن الحب الذي يبنى على التعلق بشخصية الآخر هو الذي يستمر في الغالب إلا حينما تتغير هذه الشخصية مع مرور الأيام. و للأسف فإن أكثر المحبين يحاولون أن يضعوا بصمتهم في شخصيات من أحبوا فيغيروها حتى إذا ما مرت الأيام ملّوا ذلك التغيير فيهم و قالوا: لم تعد كما كنت حينما أحببتك. فيذبل الحب حتى يموت.

إن الأشخاص الذين يحاولون جذب الآخرين لهم بأشكالهم و مظاهرهم ينجحون غالباً مع من يتعلق بالشكل فقط، و لكن حب الآخرين لهم لا يدوم طويلاً ـ في الزواج مثلاً ـ فالمنظر يُملّ سريعاً و يصبح مع الأيام قناعاً جميلاً تختبئ خلفه شخصية هزيلة. أما الأشخاص ذوو الشخصيات الرائعة و المرحة و الجميلة فهم حتى و إن كانوا يجذبون الآخرين لهم ببطء فإنهم لا يخسروا هذا الحب الذي أوجدوه بسهولة. فغالباً ما تَزِين شخصياتهم مع مرور الوقت أكثر فأكثر، فلا يمل الناس مجلسهم و لا قربهم. 

إن حبنا لأمهاتنا و آبائنا لا ينتهي، و علاقتنا مع أصدقائنا بالكاد تنقطع. لأن الحب الذي نحمله في قلوبنا لأمهاتنا و آبائنا متعلق بحجم المواقف التي عاشوها معنا و التضحيات التي قاموا بها من أجلنا. نحن لا نحبهم لأنهم أجمل من غيرهم، بل لأننا علقنا تلك المحبة بشخصياتهم الجميلة التي قدمت ـ و ما زالت تقدم ـ أبناءها في كل موقف على نفسها. لذا، فحبنا لهم يدوم أبداً. و الأصدقاء تربطنا بهم شخصياتنا المتقاربة و اهتماماتنا المشتركة. نحبهم لأنهم يحبون ما نحب و يكرهون ما نكره و يحترمونا كما نحن و لا يحاولون جاهدين تغييرنا ما دمنا لا نريد تغيير أنفسنا. هم يقبلونا كما نحن، لذا نشعر بأريحية في التعامل معهم فلا نتوقف عن حبهم و لا يجف الوصال إلا حينما تتبدل هذه الصفات فينا أو فيهم.

و هذا يفسر كثيراً ظاهرة موت عجوز بعد موت زوجها بفترة قصيرة أو العكس. هم علّقوا حبهم للحياة بأزواجهم، يحبون الحياة ما دام أزواجهم فيها. فيستمدون منهم الطاقة كل يوم، و من أجلهم يتقوون ضد أمراضهم و يحاربون أيامهم السيئة. فإذا ماتوا خبت تلك الروح العالية، و كرهوا الحياة و أحبوا الموت. لأن الموت الآن سيجمعهم مرة أخرى بمن يحبون. الحياة لم يعد فيها ما يستحق العيش من أجله.

من المهم جداً حينما تريد أن تستمر علاقتك بشخص تحبه جداً أن تعلق محبتك هذه بشيء يصعب زواله فيه. لا تحبه لشكله، فالعالم مليء بمن هم أجمل منه. و لا بمهاراته، فستلتقي بأناس أمهر منه. و لكن بروحه و حبه لك و تقبله لعيوبك و اهتمامه بك. أحبه لتلك التفاصيل الصغيرة التي لا يعرفها عنه أحد سواك. ستجد أنك متعلق بكيان خاص فيك، حتى الذين من حولك سيتعجبون من هذا التعلق بشخص قد لا يروه ذا جاذبية تذكر. و لكنك وحدك تعرف لماذا يستحق كل هذا الحب. أدام الله عليكم حبكم و من تحبون.

2013/05/20

مصلحتك قبل مصلحتي


مصلحتك قبل مصلحتي







القاعدة الرئيسية لنجاح أي علاقة من وجهة نظري الخاصة هي: أن يسعى كل طرف من أجل سعادة الطرف الآخر. و يمكننا قياس هذه القاعدة على العلاقة الزوجية: لو حاول كل طرف من طرفي هذه العلاقة أن يبذل قصارى جهده و طاقته من أجل سعادة الطرف الآخر لاستمرت العلاقة فترة أطول و بشكل أفضل و بروح أجمل حتى يبدأ أحد الطرفين بالتفكير في نفسه على حساب الطرف الآخر. نقيسها أيضاً على علاقة أخرى، علاقة الأب بابنه و الابن بأبيه: لو كان الأب يساند ابنه في تحقيق أحلامه و تشجيعه ليتجاوز معه كل المعوقات من دافع الحب له و يظهر كل أفعاله بشكل يستشعر الابن من خلالها أنها ليست رغبة أبيه و إنما مصلحته الشخصية هي الدافع لكان المردود من ذلك هو طاعة الابن لوالده و التعامل معه بمقدار الحب الذي يتلقاه منه، و لبدأ الابن بتقديم رغبات أبيه على رغباته الخاصة محبة و تقديراً و إجلالاً بكل طواعية. تبدأ العلاقات بالفتور ثم بالانقطاع حينما تسير نحو التفكير بالمصلحة الشخصية. لذلك، فإن العلاقة المقدسة بين الأبناء مع أمهم لا تموت أبداً، لأن الأم يندر جداً أن تقدم مصلحتها على مصلحة أبنائها. الأب يفعل ذلك أيضاً، إلا أنه لا يستطيع إشعارهم بذلك، بالقدر الذي لا تتحرج الأم من التصريح به لهم. فهي لا تفرح إلا لنجاح أبنائها، و لا تحزن إلا لتعبهم. و العجيب أيضاً أن المهدئ لمشاكلها و المغير لمزاجها الحزين قد يكون شيئاً بسيطاً: كأن ترى أبناءها سعداء!

أنا هنا لست بصدد الحديث عن علاقة الابن بأمه أو أبيه، و لا الزوج بزوجته أو العكس، أنا هنا أكتب هذه التدوينة لأتحدث عن علاقتنا نحن المجتمع ببعضنا: لن ينجح مجتمع أبداً يفكر كل فرد فيه بنفسه فقط، و يقدم مصلحته الشخصية على مصلحة غيره. مجتمع الغاب هو المجتمع الذي يأكل القوي فيه الضعيف، و يتفاخر الناس فيما بينهم بالشخص الذي "يعرف من أين تؤكل الكتف". هو مجتمع يعتبر الخداع ذكاءً، و الغش تجارةً، و التدليس براعةً في الإقناع، و الكذب نمطاً للعيش. في هذا المجتمع تنعدم الأخلاق، و يُتجاوز فيه القانون، و تتفشى فيه الجريمة، و يكثر فيه الكذب، و تُلوى فيه أعناق الحقائق، و تُلبس فيه الأقنعة، و تنتشر فيه النميمة، و تؤكل فيه أعراض الناس بالباطل، من أجل هدف واحد، واحد فقط: الوصول إلى المصلحة الشخصية.

في المجتمع الذي يقدم فيه الناس مصالح غيرهم على مصالحهم الشخصية لا تتواجد السرقة، و لا الغش، و لا النميمة، و لا الكذب، و لا ارتفاع الأسعار، و لا غلاء الأراضي، و لا نقص في الجودة، و لا تفكك في المجتمع، و لا انعدام في الأمن. هي مجتمعات مرتبطة بميثاق الأخلاق العامة التي تتفق عليها الفطرة، تسمو بروح المجتمع عن كل رذيلة لأن القاعدة فيها بكل بساطة: مصلحة غيري قبل مصلحتي أنا! و قد قال رسول الله : (( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه )). 
و من هذا المبدأ كانت هذه القاعدة، و هي: قاعدة الإيثار.




لماذا لا ترتفع الأسعار في مجتمع مُؤثِر؟ لأن البائع لن يرفع السعر على المشتري و لن يضطر إلى أن يحلف له بأنه يبيعه السلعة بسعر الجملة، و لأن البائع أيضاً قد يعطي المشتري السلعة حتى لو لم يكن معه قيمتها في تلك اللحظة على ثقة بأنه سيدفع القيمة وقت حصوله على المبلغ المطلوب. في نفس الوقت لن يجادل المشتري البائع، لأنه يضع نفسه مكان البائع و يتمنى للبائع الخير و الازدهار و الغنى، فلا يمانع في دفع القيمة التي يراها البائع مناسبة لسلعته لأنه أيضاً على ثقة بأن البائع لن يغشه و أن البائع يتعامل معه كما يتعامل مع شخص يهمه أمره فلا هو بمطفف و لا هو بغاش. كذلك لو قسناها على الأراضي؛ كيف لمجتمع مُوثِر أن يحبس الأراضي البيضاء عن المحتاجين للسكن؟ أصحاب الأراضي في تلك المجتمعات المُؤثِرة يقومون بأنفسهم بتقسيم الأراضي و تطويرها و تحسينها و تجهيزها بكل مستلزماتها حتى تكون صالحة للاستخدام ثم يبيعونها للمحتاجين للسكن بالسعر و الطريقة التي يرونها تتلائم مع أوضاعهم ـ المشترين ـ و تسهل عليهم تملكها. في المقابل، يقوم المشترين بالتعامل معهم بكل ثقة فلا يتأخرون بدفعاتهم المالية لهم و يكرمونهم أيضاً لأنهم أحسنوا إليهم. في هذه المجتمعات لا يوجد فقير يطلب، فالمعونة تأتيه لأن المجتمع لا يرضى أن يعيش فرد فيه عيشة لا تليق بإنسان. و لا يسرق السارق، لأنه يعلم أن ليس في سرقته إلا ضرر شخصي و ضرر متعدٍ على غيره أيضاً، فيكف يده عن جريمته. كذلك المغتصب و المرتشي و المغتاب و الفاجر و اللعان، كلهم لا يتعدون على أحد، لأنهم ببساطة إن بحثوا عن المصلحة لغيرهم فلن يسلكوا هذا المسلك الذي لن يؤدي إلا للمفسدة لهم و لغيرهم.


هذه المجتمعات كيف نصل إليها؟ هي لست مجتمعات بعيدة المنال، ليست صعبة الوصول، و ليست مقصورة على أحد. لم يختصها الله لدين معين، و لا لطائفة معينة. هي للمجتمعات التي يتم تعزيز ثقافة الأخلاق فيها. ينشأ الطفل في بيتٍ و مدرسة و مجتمع يتعامل كل فرد فيه بالأخلاق، يرضعه مع حليب أمه، و يتلمسه في تعامله مع صحبه، و يراه جلياً واضحاً في كل منحى من مناحي حياته. الخطوة الأولى ليست بالوقوف على المنابر و الترويج لهذه القاعدة، الخطوة الأولى هي أن تبدأ "أنت" بتطبيقها، في سلوكياتك و تعاملاتك مع الآخرين. في البيت مع أهلك و خادمتك و سائقك، و في المدرسة مع مدرسيك و صحبك، و في الشارع مع كل من تصادفه. ابتسم لهم لأنك تحب أن تراهم سعداء، و امسك الباب لمن هو خلفك لأنك تريد أن تشعره بأنه شخص مهم بالنسبة لك، و احمل الأغراض إلى سيارة أحدهم ليشعر بأن له أخ في هذا المجتمع لا تربطه فيه قرابة. ابدأ بالأشياء الصغيرة و لا تحاول الترويج للقاعدة بلسانك، فحديث أفعالك له وقع أقوى في نفوس الآخرين من أقوالك.

2013/03/02

الهدوء مزعج

الهدوء مزعج






     ما هو الإزعاج؟ و لماذا يقول البعض: "الهدوء مزعج!" و هل حقاً يمكن أن يكون الهدوء أكثر إزعاجاً من الضجيج؟ نعم.الإزعاج: هو التغير المفاجئ في وتيرة الصوت. بمعنى، لو أنك كنت في غرفة هادئة هدوء تاماً ثم اشتغلت ساعة الحائط فجأة و بدأت تسمع عقاربها فذلك سيزعجك. لأن صوت عقارب الساعة هو التغيير المفاجئ في وتيرة الصوت. إذاً، كيف نقول أن الهدوء مزعج؟ في نفس المثال و بعد ١٠ دقائق و حين تعتاد أذنك على صوت عقارب الساعة ستكون وتيرة الصوت الثابتة في خيالك هي الهدوء + صوت عقارب الساعة. لذا، لو توقفت عقارب الساعة عن العمل ستنزعج لأن وتيرة الصوت تغيرت مرة أخرى! و هذا ما يفسر حبنا للنوم تحت صوت المكيف.

نحن نحرص أن ننام في غرفة نسمع فيها صوت المكيف. نحب الهواء البارد طبعاً، و لكننا نحرص أكثر على صوت المكيف. لماذا؟ لأن صوت المكيف المرتفع يكون بمثابة العازل الذي يعزل سمعنا عن أي تغيير مفاجئ في وتيرة الصوت. فنحن مع صوت المكيف لا نعلم ما إذا اشتغلت عقارب الساعة أم توقفت. و ما إذا كان إخوتنا يتحدثون في الصالة أم لا. يكون الإنسان في قمة الراحة حيث ينعم بوتيرة صوت ثابتة، و في هذا المثال فوتيرة الصوت الثابتة هي صوت المكيف و الذي سيكون بمثابة العازل لأي تغير مفاجئ في صوت المحيط.

و من هذا المبدأ نستطيع معرفة لماذا الهدوء مزعجاً. لأننا حينما نقفل أنوار الغرفة و نسدل الستار على نوافذنا و لا نقوم بتشغيل المكيف، ترتكز كل قوى خلايانا الحسية في السمع، فالعين لا ترى شيئاً في الظلام. فنحن حينها نقوم بسماع أصوات القطط في الشارع، و حديث الجار من النافذة. حتى أننا نستطيع أيضاً سماع "طقطقة" الثلاجة و عقارب ساعة الحائط. نكون في حالة الهدوء التام أكثر عرضة للإزعاج، فأي تغيير في الصوت يمكننا ملاحظته بسهولة، لأننا لم نضع عازلاً صوتياً يمنع إدراكنا لأي تغير خفيف و مفاجئ في الصوت.

و هذا يفسر أيضاً أحد الأسئلة التي تتكرر من الآباء للأبناء عادة حينما يرفعون صوت المذياع في السيارة: كيف يمكنكم الاستمتاع بالقيادة و الراحة في السيارة وسط هذا الإزعاج؟ الحقيقة أن هذا ليس إزعاجاً. هو هدوء من نوع آخر، لأن وتيرة الصوت المرتفع ثابتة لم تتغير حتى تعودت الأذن عليها فوصلت نفسه إلى مرحلة الاستقرار و الهدوء.

أختم بتجربة أغلبنا قد مر بها و هي تجربة النوم أمام التلفاز و الصوت مرتفع. قد يكون نومك أمام التلفاز سببه متابعتك لمباراة و أنت مرهق أو مسلسلك المفضل و تركت صوت التلفاز مرتفعاً، ثم قامت أمك بإغلاق التلفاز لكي تنعم بالهدوء في نومك. و ما تلبث أنت إلا دقائق معدودة حتى تقوم من نومك. لماذا؟ لأن الصوت اختفى، و تغيرت وتيرة الصوت فجأة، فأزعجك الهدوء!

و دمتم مزعجين.

2013/01/25

روزنامة ألم ـ الأجزاء العشرة


روزنامة ألم ـ الأجزاء العشرة





أهلاً بكم جميعاً. هذه القصة كتبتها قبل خمس سنوات تقريباً. هي قصة عاطفية أبطالها: عبدالعزيز و يارا. هي ليست جديدة بالنسبة لمتابعي مدونتي الأوفياء. قراءة ممتعة لكل المتابعين الجدد.


روزنامة ألم | الجزء الأول

روزنامة ألم | الجزء الثاني

روزنامة ألم | الجزء الثالث

روزنامة ألم | الجزء الرابع

روزنامة ألم | الجزء الخامس

روزنامة ألم | الجزء السادس

روزنامة ألم | الجزء السابع

روزنامة ألم | الجزء الثامن

روزنامة ألم | الجزء التاسع

روزنامة ألم | الجزء العاشر "الأخير"

2013/01/22

مترو دبي


مترو دبي



صورة عامة لمترو دبي


في مترو دبي وقف أمامي رجل أوروبي و ابنته أمامه، ممسكاً هو بعمود القطار لتثبيت نفسه و هي تحيط ذراعها حول ظهر أبيها. بدا لي من مظهرها أنها في السادسة عشرة من عمرها، تزيد أو تنقص قليلاً، كانت تنظر إلى جوالها قليلاً ثم تعيد النظر إلى أبيها رافعة رأسها إليه لتحادثه. هو الآخر ينظر إليها بابتسامة حانية ثم يتنقل نظره مع نوافذ القطار. كلما أخفضت رأسها لجوالها استند بدقنه على رأسها و قبلها قبلات طويلة و متفرقة على شعرها. بدا لي أن البنت قد اعتادت تصرف أبيها هذا و تقبيله لرأسها لذا لم تخجل و لم تنزعج و لم تحاول تحريك رأسها بعيداً عن فم أبيها، كان يشاركها النظر إلى شاشة جوالها و يقرأ محادثاتها مع صديقتها التي تراسلها. شدني جداً ذلك المنظر و تلك العلاقة الرائعة التي ربطته مع ابنته. الحب الذي أشاعه لمن هم حوله في القطار كان ملفتاً. كنت أتفكر حينها و أنا أنظر إليهم: هل من الممكن أن تخون هذه البنت ثقة أبيها و هي تتلقى منه كمية الحب المهولة تلك؟ و هل ستتجرأ يوماً على إخفاء أمر عن أبٍ يحنو عليها كل هذا الحنان؟ و هل ستتخوف يوماً من مشاركة أبيها أي فكرة تخطر في بالها؟ أو أي تجربة تريد خوضها و هو يمنحها كمية من الثقة يجدر بكل أب منحها لابنته؟ كان المنظر جميلاً، جميلاً جداً إلى الحد الذي لم أستطع معه رفع عينَيّ عنهما، إلى الحد الذي جعل ابتسامة بلهاء ترتسم على شفتاي و يلحظها ابن عمي عَلَي!

سيبقى هذا الموقف عالقاً في ذهني زمناً طويلاً. أتمنى أن أكون يوماً كهذا الأب مع بناتي حين يكرمني ربي بهن، و لكني أعلم أن هذه المرحلة صعبة و لا تأتي إلا بعد أن أعي تماماً أهمية الحلم في التعامل مع أطفالي و أن كمية الحب الذي سأسقيهم بها صغاراً ستؤتي أكُلها لي حين يكبرون. 

❊ لم أكن أنوي إدراج هذه القصة على شكل تدوينة، كانت الفكرة عصرُها في تغريدة بـ ١٤٠ حرف و لكنها بذلك ستخسر الكثير من تفاصيلها الجميلة.