2012/04/02

حبيبي عبدالرحمن

حبيبي عبدالرحمن







في صبيحة البارحة رزق صديقي بمولوده الثاني، عبدالرحمن. هذا الطفل يبلغ من عمره الآن يوماً واحداً. بشكل أدق، هو يبلغ لحظة إدراجي لهذه التدوينة أربعة و عشرين ساعة. يعيش الآن بذاكرة لم تنقش عليها أي ذكرى، لا سعيدة و لا حزينة. لا يعلم ما الجميل في هذا الكون و ما القبيح، ما هو الصواب و ما الخطأ. ما هي حدود الدين و ما هي حدود التقاليد. الناس كلهم في عينيه سواسية. لا يتفاضلون لا بلون و لا بشكل و لا بملبس و لا بحسب و لا بنسب و لا بدين و لا بخلق. أحكامه؟ لا يستطيع أن يبني أحكاماً، فهو لا يملك قدراً كافياً من العلم المسبق ليسند حكمه عليه. هو الآن على فطرته التي فطره الله عليها. بقلبه سيشعر أن الله موجود، و لكن كيف يعبده؟ هي مسؤولية والديه أن يعلموه كما تعلموا من قبله.

الآن، عبدالرحمن، هو مجرد طفل بلا أفعال تحسب له أو عليه. و لكنه سيحبو إلى الحياة، و مع كل تفاصيلها سيتعلم درساً. سيعرف أن البكاء يجلب له الانتباه و الحنان فيبكي عقداً. سيعلم أن المشاكل لا تخيفه لأنه محاط بأم و أب فلا يخاف شيئاً. سيتعلم من أخطائه و يجرب. ثم يكبر حتى يبدأ بتقليد أهله في حركاتهم و سكناتهم و مأكلهم و مشربهم و صلاتهم و سائر عباداتهم. ثم سيخرج يوماً إلى العالم المحيط به، فيتعلم منه أن الذي كان يراه خطأ في نظر غيره مزاحاً يمكن التغافل عنه. و ما كان يحسبه خطاً أحمر لا يتجاوزه قد تجاوزه غيره. ستقوده تلك الحالات و غيرها إلا اضطراب في الموازين، ما بين شعور بالتقيد بما تربى عليه، و حب الاستطلاع و مسايرة أقرانه و مجتمعه فيما يفعلون.

سيخطئ عبدالرحمن يوماً، و لكنه الآن لا يعرف كيف يخطئ من الأساس، لماذا يخطئ؟
١ـ لجهل منه.
٢ـ بغير قصد.
٣ـ لاقتدائه بغيره من المخطئين.

إن سنوات عبدالرحمن الأولى ستستقي، كغيره من الأطفال، تعليمها من محيطه الداخلي الصغير، أمه و أبيه و أخته. سيتعلم منهم كل شيء و هم أحرص على منفعته من غيرهم. و لكن لا بد من يوم يأتي فيه ليتعلم من هذا المجتمع ما لا يقدر بيته أن يحميه منه. سيخرج على مجتمع يتقاذف فيه الأطراف بعضهما بعضاً بتيارات لا يعرفون عنها إلا حروف اسمها. و يخون بعضهم بعضاً لأنهم لم يألوا جهداً أن يجتمعوا يوماً على طاولة واحدة ليتحاوروا بتعقل حول ما اختلفوا فيه حتى يميلوا إلى الحق، لا إلى ما تهوى أنفسهم من الباطل. سيخرج إلى عالم تعلم الدين و لم يطبق إلا قشوره. سيتفاجأ بمجتمع يكذب و هو يعلم أن الكذب حرام، و آخر يسرق و هو يعلم يقيناً أن السرقة حرام. سينظر حوله فيدرك أن مقدارك بين الخلق لا يقاس بتقواك أو دينك، و إنما بحسبك و مالك الذي في جيبك، أو في جيب أهلك. سيعلم أننا نمثل مسرحية تنكرية، كل الأقنعة فيها مكشوفة و لكنّا نتماشى معها دون أن نحرك ساكناً. هي المُثُل التي تربى عليها عبدالرحمن يوماً، و القيم و المبادئ التي كان يتغذى عليها في صغره ستغدو في عينيه مجرد جمل تحفظ في المدرسة فيُختبر عليها آخر السنة. ستنكشف المسرحية له يوماً، و لن يصفق له أحد. سيظل حائراً هائماً على وجه. فما عادت هنالك مبادئ يتمسك بها و لا قيم يبني عليها أحكامها.

سيكبر يوماً عبدالرحمن، و سيقرأ كلامي يوماً و يعلم جيداً ما أعنيه في هذه السطور. إليك يا عبدالرحمن أقول: أنت عشت و تربيت بين أكناف أم و أب حانيان، و أخت جميلة ستكون قدوة رائعة لك يوماً. ما تعلمته في صغرك منهم من نبل الأخلاق و القيم الجميلة هي ما تعلمناه من ديننا و هي رسالة نبينا فتمسك بها. أما ما تواجهه في مجتمعك فأنت لا بد من أن تكون على أهبّة الاستعداد لمواجهة تلاطم الأفكار فيه و تضارب الأحكام، بقوة إيمانك و تمسكك بما تربيت عليه و أن تبقي عقلك متفتحاً للحق، لا لغير الحق. إما هذا، أو أن تلجأ إلى جبل يعصمك من الفتنة.


أحبك يا عبدالرحمن، و قد أحببت أختك قبلك، و من قبلكم أبيكم الذي هو بمثابة الأخ لي أو أقرب.
كونوا بخير دوماً مع أمكم الحانية و ليحفظكم الله بحفظه.