2012/10/08

أبو أريج

أبو أريج

 


تساءلت يوماً في إحدى مواقع التواصل الاجتماعي عن مقولة: "كل فتاة بأبيها معجبة". هل هي صحيحة؟ أم أنها مجرد مقولة؟ و هل حقاً تريد الفتاة أن تتزوج رجلاً كأبيها؟! اعتقدت أن المقولة أبعد ما تكون عن الصحة، فكل فتاة في نظري تريد أن تخرج من بيتها إلى عش الزوجية مع رجل أشجع و أكرم و ألطف و أنبل و أفضل و أجمل، خُلُقاً و خَلْقاً، من كل الرجال! حتى وصلتني هذه الرسالة من إحداهن تقول:
في ليلة البارحة تعجبت أخي فراس من مقولة: “كل فتاة بأبيها معجبة". و كيف لفتاة أن تتمنى الارتباط برجل يشبه أباها؟ و أنا هنا أتفهم استغرابك و تعجبك، كونك رجلاً تنظر للأمور بمنظور الرجال فقط، و لكن الأمور تختلف كثيراً لدينا، لأننا نفسر الأمور بطريقة مختلفة عنكم، فكما تهمكم الصورة الكاملة للمواقف، فالتفاصيل الصغيرة لدينا هي الأهم. نعم، أريد الارتباط برجل يشبه أبي شكلاً و خلقاً، فلم أرَ في الوجود رجلاً مثله!

تزوج أبي أمي و هي في العشرين من عمرها، و قبل ثلاث سنوات احتفلت أنا و إخوتي معهما بمرور عشرين سنة على زواجهما، و إلى هذه اللحظة يا أخي العزيز ينظر أبي إلى أمي نظرته لها في بدايات زواجهما. أبي يحب أمي كثيراً حباً لا يخفيه عنا. يقف في صفها في كل المواقف حتى التي يعلم يقيناً أنها مخطئة فيها. يتعامل معها كحبيبة، و صديقة، و زوجة، و أم لأطفاله، و أب يحميها من كل شيء.

التفاصيل الصغيرة يا فراس، التفاصيل الصغيرة هي التي تعنينا!

حينما نجتمع حول التلفاز لمشاهدة إحدى البرامج يحرص دوماً أن تكون أمي بجانبه، يلعب بخصلات شعرها، و يستمع إلى تعليقاتها حول البرنامج، و يمسك بيدها يتحسس أصابعها. كل هذه الأمور التي أراها تكون كتصريح لنا: أنا أحب أمكم! و هي ملاكي.

التفاصيل الصغيرة!

يحرص أبي كثيراً على مفاجأة أمي دوماً بأي شيء تحبه، فمرة عاد إلى المنزل حاملاً في يده هدية لأمي، تفاجأت أمي حينما أخرجت الهدية من الكيس بأنها وجبة من أول مطعم تناولت فيه الطعام مع أبي بعد زواجهما! بكت أمي دموع الفرح لأنها اعتقدت أن المطعم أغلق من سنين و أنها لم تتوقع مثل هذه الهدية يوماً. كان وجه أبي متلألئً من فرحة أمي بالهدية. لا أزال أذكر تفاصيل تلك الليلة، دموع أمي، ملامح السعادة على محيا أبي، و الأجواء السعيدة التي حلقت فيها روحي.

التفاصيل الصغيرة!

أبي يا فراس هو شخصية معروفة في البلد، يستطيع تحريك الرجال بكلمة، فهو الآمر الناهي في مقر عمله، و من له اليد العليا في كل شيء، و مع ذلك كله فهو الذي يطبب أمي عند مرضها، و يولي اهتماماً أكبر بالجلوس معنا على الخروج مع أصدقائه. حتى أنه كثيراً ما اعتذر منهم أن يزوروه في بيته لأن أمي لا تشعر بصحة كافية لاستقبال الضيوف. هو يهتم كثيراً بها!

ما زال اسم أمي في جواله "حبيبتي" و لها نغمتها الخاصة بها. يحمل إليها الورود في كل مناسبة، و غير مناسبة. لا يحب منادتها بـ "أم خالد"، و هو أكبر إخوتي، بل باسمها. يغار عليها كثيراً، و يعلم مدى غيرتها عليه! عند ظهور إحدى الممثلات على الشاشة تقوم أمي بالتعليق على جمالها لاستدراجه، فيكون ذكياً إلى الحد الذي يرضي أنوثتها، هم دوماً تماثيل في نظره و هي الأنثى الحقيقية.

التفاصيل الصغيرة!

أبي هو شخص لا يقدم شيئاً على عائلته، يكون معنا في كل المناسبات، و لا ينسى مناسباتنا إلا نادراً، و إذا نسي يوماً يقوم بتعويضنا بمفاجآت أجمل. حينما كبرت و أصبحت في سن المراهقة جلس أبي يتحدث إلي عن حياته، كيف كان و إلاما أصبح، تحدث عن كل شيء و عن تعلقه بابنة جاره التي كان ينوي الزواج بها لولا حادث مرير أودى بحياتها، أخبرني أن الله عوضه بملاك هي أمي. كانت قصته يا فراس نبراساً للحب في عيني، و لم أزل حتى هذه اللحظة أنتظر زوجاً مثل أبي!

أبي يا فراس ليس بطلاً متفرداً عن بقية الآباء، أبي هو رجل كامل في ناظري ابنته، تحبه بكل ما في قلبها من ذرات حب، تحب لطفه و حبه و تعامله مع عائلته، حكمته و عدله و إيثاره و تسامحه. أنا لا أريد رجلاً يشتري قلبي بماله، و لكني أريد رجلاً يأسر قلبي بحبه و تعامله و تميزه. نعم أنا معجبة بأبي، و كل فتاة بأبيها معجبة.


أختك/ أريج