2011/11/19

في جدة ١١/١١/١١



في جدة ١١/١١/١١

الصور في الأخير


في يوم الاثنين، و في بيت الصديق عمر الجريسي اجتمعنا نحن مجموعة الأصدقاء، و هزيمة بعد هزيمة في البلوت تنحيت أنا و عمر و معاذ لشرب الشاهي الأخضر بدون سكر. و فجأة، قال معاذ: نطلع جدة؟ الأربعاء! قلت أنا و عمر: تم! ظهر الأربعاء اجتمعت أنا و معاذ في بيت عمر و هي نقطة انطلاقنا، و بعد صلاة الظهر مسكنا خط مكة. عمر يقود سيارته بصفته المسؤول المالي للرحلة و بجواره أمير الرحلة معاذ، و أنا الراكب بلا مناصب! و كعادة استحدثها معاذ في رحلتها، خرج لرحلتنا بهاش تاق في تويتر و هو #JeddawiTrip مثلما فعل في رحلته إلى فرسان، و لكننا اكتشفنا في نهاية الرحلة أن هاش تاق رحلة جدة كان أضعف من رحلة فرسان، أرجعنا ذلك إلى أن الرحلة كانت أمتع من انشغالنا في الكتابة للهاش تاق! “نسلّك لأعمارنا". توقفنا في المزاحمية، و كان التوقف الأول، لتغبير السيارة. الملاحظ أن صاحبنا اليمني غبّرها حتى أخفي ملامح اللوحة. يعني ساهر ما يصيدنا؟ و لا ناخذ مخالفات؟ قال اليمني: محد بيقدر يصوركم! قلنا طيب هذي عليها مخالفة! ابتسم بخبث و ذهب.

أخرج معاذ الآي فون "بتاعه” و شبكه بالسيارة، و أخذ يخيّرنا بنوعية الميوزك: عندنا ١ـ عربي ٢ـ انقليزي ٣ـ ميوزك بس ٤ـ كلاسيك ٥ـ قرآن، وش تبون ؟ قلت: اللي تبي. و لكن أحد الركاب أخبرنا بأنه لا يتعاطى الأغاني. لذلك قام معاذو بتشغيل مقابلة جميلة جداً كانت مداخلاته في المقابلة أكثر من سماعنا للمقابلة نفسها. توقفنا لصلاة العصر و شراء المفرحات ( الحلويات و العصيرات ). عمر حينها يحسب المدفوع لنتقاسم التكاليف في نهاية الرحلة. نزلنا لصلاة العصر و حصل موقف ظريف هناك. بائع يمني يبيع عطورات، جاءه مشتر سوداني و أعجبه عطر و لكنه لا يحمل محفظته معه. أخبره اليمني بأن يأخذ العطر معه و يعود بالنقود. طوال طريقه لسيارته كان السوداني يدعي للبائع و يشكره على ثقته بأنه لن يسرقه و قال له: “هذه ثقة عظيمة منك أشكرك عليها". في الطريق كنا نتحدث عن كل شي، و في أغلب الأحيان كان معاذ هو المتحدث، هو المتحكم بما نسمع، و بما لا نسمع لكثرة مداخلاته. و عمر كان همه الوحيد: فراس، فيه بالكيس تويكس؟ عطني! ما يحتاج أقول أنا وش كنت أسوي. وصلنا الطائف في وقت قياسي، ثم تورطنا فلم نستطع الخروج منها. من الطفش نمت، و استيقظت لحظة دخولنا لجدة. استغرقنا في الطائف قرابة الساعتين للخروج منها. و كل من سألناه عن الطريق خرج لنا بوصف غير الذي كان من الذي قبله! استنتجنا أنا و معاذ من هذه المشكلة أنا عمر لم ينجح في إتمام المسؤولية الموكلة إليه و هي إيصالنا لجدة! و لكن نحمد الله على كل حال. كان معاذ يكتب كل شيء في تويتر، حتى أنه أخذ جوال عمر من غير إذنه و كتب من حساب عمر في تويتر: أعترف لكم أنني خذلت الشباب و أعتذر #JeddawiTrip ثم جلس معاذ يضحك و عمر يرمقه بنظرات حقد، و أنا أبتسم ابتسامة صفراء لمعاذ خوفاً من أن ينقلب عمر علي و آكلها. فاجأنا عمر بخبر جميل جداً: شباب، الفلة حقتنا أختي فيها حالياً و ما عندنا سكن. بس أكيد بنلقى! هنا كاد معاذ يغشى عليه من التحطم، و أنا كتمت غيظي لكيلا أتفلت على عمر، فها هي المهمتان الوحيدتان الموكلتان لعمر قد فشل فيها، فماذا عساه قد ترك للأعداء ؟! اتصلنا بالفنادق القريبة و كلهم أخبرونا أن الغرف محجوزة بالكامل. كتب معاذ في تويتر عن مشكلتنا فهب لنا خالد أبو ذياب جزاه الله خيراً و أخبرنا أن نتوجه لشارع التحلية و نسأل عن حجز باسم معاذ في فندق أبو ذياب. و بالفعل كان هناك حجز غرفتان مفتوحتان على بعضهما، و كان هناك خصم خاص يصل إلى نصف السعر تقريباً. توجهنا إلى ملاقاة بلال حافظ و أنمار فتح الدين، أخو أحمد فتح الدين اللي يطلع مع عمر حسين في على الطاير، استقبلونا في مكتب بلال و طلبوا لنا من البيك ساندويتشات و بروستد. يالله الجنة! عمر أخذ أكله و تنحى جانباً و بدأ بممارسة طقوسه و الاستمتاع قدر المستطاع بأكله تلذذاً و استطعاماً. خرجنا بعد ذلك إلى شقتنا و لعبنا فيها صكتين بلوت و نمنا. صباح اليوم التالي، كنا على موعد مع عمر حسين، لكنه نام و سحب علينا أثابه الله. لذلك ذهبنا مع منسق الرحلة، جدو بلال حافظ، إلى مطعم PUAL الفرنسي. كان المطعم من اختيار معاذ و كان نعم الاختيار. كانت أهداف معاذ للمطعم غير نبيلة بتاتاً البتة، و لكن السفن جرت عكس ما اشتهت نفسه. صادف جدو بلال موقف غير جميل قبل دخولنا للمطعم و هو موقف غير قابل للنشر، فموتوا غيضاً. بعد الفطور اقترح علينا بلال الذهاب لزيارة جدة القديمة، و هي منطقة جميلة جداً توضح طريقة عيش الأولين في جدة. و بضائع العيد، و عربات البرتقال، و ألعاب الأطفال، و الأشجار الوارفة المتمايلة على المراكب. سقطت عربة برتقال من يد صاحبها فهب الجميع لالتقاط البرتقال و إعادتها لصاحبها. كان وجهه مسوداً من الحزن على ماله المنكبّ، و لكن الأخلاق النبيلة في الحاضرين كانت أسبق من ضيق نفسه له، فساعدوه حتى أعادوها له. بعد ذلك توجهنا إلى مبنى قديم متهالك يقال أنه لكنيسة إيطالية قديمة. و هي إشاعة لا دقة في أصل صحتها. دخلناها و تجولنا فيها. بعد ذلك لم يكن هناك وقت كاف للعودة إلى الشقة، فاقترح عمر علينا الذهاب لكوفي في شارع التحلية، و هو أفضل مقهى في السعودية من وجهة نظر عمر. كنت أخالفه في وجهة نظره تلك لأنني ذهبت معه إليه في ليلة سابقة، و لكن المقهى في النهار أجمل و أنفه! بعد أن طلبنا الشاهي الأخضر من غير سكر و أثناء تجاذبنا لأطراف الحديث، وصل خالد خلاوي المدون المعروف، و أخوه سهل الخلاوي و انضموا إلى طاولتنا. الغريب في الموضوع أنه في طريقنا إلى جدة كان خالد خلاوي أحد المواضيع التي تكرر الحديث عنها من قبل معاذ، و بالمصادفة اكتشفت أنه أخو سهل و هو صديق قديم لي. للمعلومية، و هو معلومة لن تفيد أحد: أي شخص عائلته خلاوي، فهو يقرب للخلاويين الثانين من قريب. اكتشفت أن خالد ليس مرحاً خلف الشاشة فقط، و إنما لديه روح مرحة أثناء الحديث أيضاً و سريع الدخول مع من لا يعرفهم. تعجبت قليلاً حينما عرفت أنه محاضر جامعي. استأذن خالد و سهل، ثم خرجنا من المقهى. توجهنا للغداء مع بلال، و المطعم كان مرة أخرى من اختيار معاذ و هو مطعم. و يقدم هذا المطعم الأكل الأرميني على ما اعتقد، و كان لذيذاً جداً. من لذته نسيت أن أصوره. شاركنا الغداء حسام السيد، و هو أحد مصوري برنامج لا يكثر. بعد ذلك، كان لدى عمر ارتباط مع أحد الأشخاص، و كنت و معاذ لدينا ارتباط آخر. توجهنا للصلاة في مسجد قريب من مقهى جسور، و هو مقهى معروف في جدة على ما اعتقد، و بعد الصلاة كان عمر حسين يقف خارج المسجد! سلمنا عليه، و كان لابس الجزمة التي لبسها في ظهوره في حلقة لا يكثر. - و انتو بكرامة - بعد الانتهاء من ارتباطنا أنا و معاذ، خرجنا مع عمر حسين و بلال ثم مررنا بعمر و ذهبنا إلى ون تو سو، و هو الدور العلوي من الصيرفي مول. لعبنا تنس طاولة، بينق بونق، فاز عمر على بلال، و فزت انا على عمر حسين، و معاذ أنهزم من الكثير. بعدها لعبت أنا و معاذ و عمر حسين سيارات السباق، Carting، و للأسف فاز معاذ بالمركز الثاني، و أنا الرابع، و عمر حسين التاسع من أصل ١٠ متسابقين. عند خروجنا من اللعبة أخبرنا عمر بالخبر المفرح، الفيلا أصبحت جاهزة. سجلنا خروجنا من فندق أبو ذياب و ذهبنا إلى الفيلا. كان عشاؤنا من غير مشاورة من البيك، لأن عمر يعشقه أكثر منا! توجهنا إلى الفيلا و لعبنا لنا كم صكة بلوت اكتشفنا أن أهل جدة لهم أساميهم الخاصة للأوراق، و عمر حسين شخص لازم يشتري! مستحيل يقول ورق! كنت أنا و عمر حسين ضد معاذ و عمر. فزنا على معاذ و عمر، ثم خسرنا من أنمار و عمر. و استمر عمر حسين يخسر و يخسر و يخسر. بعد العشاء تحدثنا عن البرامج اليوتيوبية و ترتيبها من ناحية القوة و الإمكانات و التأثير و عن المستقبل المتوقع لتلك البرامج. و بعد ذلك استأذنوا على لقاء صباحاً. في الصباح توجهنا للفطور مع عمر حسين و بلال. أفطرنا في أبو زيد، عريكة و معصوب و فول و شاهي حليب و شاهي و مريندا توت. شاركنا الفطور حسام السيد مرة أخرى. بعد الفطور توادعنا على لقاء آخر في الرياض قريباً. و في طريقنا إلى الرياض أجرى عمر مقابلة مع معاذ ليتعرف عليه أكثر. نمت أنا و استيقظت للصلاة. و بعد الصلاة شاركتهم الاستماع للحديث عن قصة معاذ. و هي قصة جميلة جداً، و هذا ليس بغريب على أبو مي.


صور الرحلة :

بعد تغبير السيارة

معاذ و عمر في نقاش جاد!

عمر يلتهم وجبته و مو فاضي للتصوير

جدو بلال مع عمر

فطورنا في مطعم PAUL

جدة القديمة

معاذ نزل يشتري له طبلة

عمر مستانس بلعبة

مدرسة نسيت اسمها

البرتقال بعد ما طاح من العربة

معاذ منشغل بذكر الله

و كذلك عمر

جدو بلال يسوق

الكنيسة الإيطالية، زعموا!

و ما زال النقاش محتدم بين عمر و معاذ

قلت لهم يهجدون

المقهى اللي اختاره عمر

بانتظار الشاهي الأخضر

خالد خلاوي مع جدو بلال

سهل خلاوي و ابتسامة تسليك لأخوه خالد

صورة جماعية و معاذ ما يسكت

المطعم الأرميني Mayrig

زاوية ثانية للمطعم
المطعم من الداخل

جدو بلال يبي يصفق واحد كف

شعر معاذ و هو لابس هالكيسه عشان لعبة السيارات، Carting

معاذ بعد هزيمته في البلوت من عمر حسين، قيّد عليه عمر حسين

جدو بلال تعتلي وجهه ابتسامة سعادة لرؤية أحفاده يلعبون بلوت

عمر حسين، عمر الجريسي، معاذ خليفاوي، أنمار فتح الدين

عمر و أنمار

كالعادة معاذ ما يتصور زي العالم و الناس

المنظر المطل من الفيلا

صورة جماعية في مطعم أبو زيد، في اليمين بالتي شيرت الأسود حسام السيد

فراس، معاذ، عمر حسين

معاذ كان يقرا لنا من كتاب، و بعدين قعد يوصف لعمر طريق الرجعة

كريم للشعر

2011/05/10

الجميلة






بهية الطلة كانت، جميلة المحيا. لها ابتسامة دافئة تريح الأنفس، و صوت هادئ مرتعش يذيب كل
هم يلم بالصدر. كانت صفات الأنوثة تتطغى على شخصيتها البدوية الملامحة، و بالرغم من
قساوة ظروف الحياة و صعوبة العيش إلا أنها ما زالت تتمسك بتلك الصفات الجميلة و الابتسامة
الهادئة. اجتمعت فيها التناقضات فزادت من جمال شخصها جمالاً. فهي القوية وقت الحاجة، و
الضعيفة المحتاجة حينما تصعب الأمور عليها. تخاف من الظلام كثيراً ! و تحب أبناءها كثيراً !
لا تستأذن الدموع عينيها أبداً، فهي رقيقة القلب، صادقة المشاعر، سريعة التأثر بما يدور من
حولها.

زيجتها دامت قرابة الستين عاماً، و في تلك المدة كلها ما وجد منها زوجها شراً محضاً، و لا
تذمراً و لا نكداً. و في بيئة جافة التعامل، و في وقت يشحّ الناس فيه بالكرم و الإيثار تفرّدت بتلك
الصفات، فكانت تعطي عطاء من لا يخشى الفقر، و تحب حباً لا يعرف للحد أي معنى.

و بالرغم من كبر سنها إلا أنها لم تزل متمسكة بجمالها الذي لا تواريه مساحيق التجميل و لا
أدوات التزين، و روحها الشبابية و أنوثتها الجميلة رسمت لها طريق المحبة من الجميع، فبات كل
من يعرفها يذكرها بالخير و الخلق و الصلاح. كانت تسامر الكبير، و تجالس الصغير، و تعطي
الفقير، و تآنس المعتاز، و تبكي بعد ذلك كله على تقصيرها و على جفاف الرحمة في عالم لا
يرحم.

كانت جدتي سريعة التأثر بالمواقف، ندية الخد بالدموع. فبعد أسبوع من انتقالي لدراسة الطب
في أبها وجدتها في غرفتها تبكي، و حين سألتها عن سبب بكائها قالت أنها ترحم أمي كيف رحل
بكرها و أخوه للدراسة بعيداً عنها، و طلبت مني ألا أقصّر في حق أمي بالاتصال بها بين حين و
آخر. لا يطيب لها طعام حينما لا نكون معها على سفرة واحدة، و لا تشتري إلا إذا كان لمن في
البيت قسم منه ! كانت تخبئ الحلوى في أماكن نعرفها جيداً، و لا أستبعد أنها تعرف و لكنها
ترحمنا فتجعلنا نأخذ منها متى ما أردنا!


كانت جدتي قوية الإرادة، إذا أرادت شيئاً ثابرت عليه حتى تحصلّه. فهي بالرغم من أمّيتها إلا
أنها تحب الإطلاع على كل شيء ! فحينما دخلت على مكتبة عمي قالت له: أحسدك على النعمة
التي أنت فيها، فلو كنت أستطيع لقرأت كل كتبك ! و كانت كثيراً ما تمسك بالجرائد رأساً على
عقب مدعية القراءة ! و كنت أمازحها دائماً : مسوية جالسة تقرين ؟ الجريدة مقلوبة ! و كانت
ترد علي بابتسامة و تقول : أهم شي الصور !

دخلت بعد ذلك محو الأمية لتتخرج من الصف الأول الإبتدائي بالأولى على فصلها، و كانت
تجلسني بجوارها دائماً و تختبرني في الأرقام و الحروف بخط طفل في الصف الأول، و كانت
تفرح كثيراً حينما تريني كتابتها للعشرة أرقام في سطور مائلة. و سرعان ما نست الأرقام و
الحروف بعد ذلك.

طباعها تختلف كثيراً عن طباع جدي، و شخصيتها الجميلة تكمل شخصية جدي، فكانوا كثير
المناوشات و المناقشات الحادة التي لا يستطيعون العيش من دونها، و لكن لا يلبث أن يسافر
أحدهم للعلاج حتى يتصل به الآخر معبراً عن اشتياقه له بالدموع و الكلمات الحنونة ! فإذا عاد،
عادت المناوشات معه و ابتسمنا لهم لعلمنا أنهم لا يطيقون العيش دون بعضهم.

في إحدى الليالي جاءتنا في زيارة علاجية و انطفأت الكهرباء عن الحي، فكانت تجلس معنا في
صالة المنزل و نحن نحيط بها، أمي و أبي و إخوتي، نحمل الشموع بأيدينا و من حولنا، و كانت
تلتفت يمنة و يسرة بين حين و حين خائفة من الظلام! و قد بدى على وجهها الخوف و نحن نستفز
فيها ذلك الشعور ! حتى إذا ما حانت ساعة النوم قام أبي ليستأذن للنوم فحلفت عليه ألا ينام إلا
معها ! ليرد أبي عليها و يقول أنه سينام مع زوجته في غرفتهم، فقالت : انت و زوجتك ما
بتنامون إلا عندي الليلة ! و حينما عادت الكهرباء سمحت لهم بالنوم في غرفتهم.


في ليالي الاختبارات، و حينما كنت أدرس الطب في أبها كانت تسهر كثيراً معي و تعد الشاهي
لي و القهوة، و كانت تعطيني بعض النقود للتبضع بما ينقصني، فكانت أمي الثانية، و القلب
الحنون البديل لقلب أمي و الذي ابعدتني الدراسة عنه. كانت تتواصل مع أهلي بأخبارنا و كانت
تنقل لهم كل جميل عنا و تخبرهم بما يحصل معنا و هي تعتقد أننا لا نشعر بذلك، و لكنها
بروحها الجميلة و قلبها الطاهر لا تستطيع أن تخفي ذلك أبداً. كانت تحب كثيراً أن نفاجئ أمي و
أبي بزياراتنا، و حينما نعود إليها لنخبرها بردّات فعلهم كانت تستمع إلينا بابتسامة جميلة و
الدموع على خدها.

في السنوات الأخيرة، بدأ إخوانها يفارقون الحياة الواحد تلو الآخر، مما أدى إلى ضعف قلبها
زيادة على ضعفه السابق. و من عملية إلى أخرى حتى أثقلتها العملية فصعبت الحركة عليها و
باتت أنفاسها أثقل مما كانت عليه. و لكنها بالرغم من جميع مصاعب الحياة إلا أنها كانت تحب
الحياة ! كانت تحب زوجها و أبناءها كثيراً، و أحفادها ينالون جزء كبيراً من قلبها المتعب، و لا
تعرف للكره أي معنى !

تتجلى صفات الكرم فيها بشكل كبير، فهي تعطي من تعرف و من لا تعرف، و تتصدق على
الفقراء في كل ساعة و حين، و تصل رحمها و تعذر من قطعها، و بالرغم من ظلم البعض لها إلا
أنها تستطيع أن ترى زوايا جمال الحياة في الأمور كلها !

كانت أماً عطوفة، و زوجة صالحة، و جدة حنونة، و إمرأة يشهد الجميع لها بالخير !

و في صباح السبت الموافق 2011/5/7 م وافتها المنية في المستشفى العسكري في مدينة خميس
مشيط إثر عملية لشفط السوائل من جسدها، كانت تكره المستشفيات ! ففي الليلة التي تسبق
وفاتها قالت لأبنائها: لا تنسوني في المستشفى ! و ماتت صباح تلك الجملة.

وقف الجميع حول قبرها حينها أنفجر جدي بالبكاء! ذلك الشيخ الجليل الطاعن في السن، إمام
الحارة و شيخ الجماعة، من لم تفته صلاة ضحى و لا قيام ليل، و لا صلاة الجماعة لمدة لا أعلم
حداً لها، حتى ورثت منه جدتي تلك الصفات فحافظت على صلاة الضحى و قيام الليل، و في كل
يوم تتصل على ابنها لتسأله: أصلي الضحى الحين و الا باقي ما دخل وقته ؟ حينما وقف جدي
على قبرها باكياً كان يقول: يا الله، هذه عشيرتي سلمتها لك، لم أرَ منها سوء قط، ما زعّلتني و
لا كدرت خاطري، و لا عصتني في شي، يا رب احفظها و أكرمها و أدخلها الجنة !


لم تعد الخميس كما كانت يا جدتي ! و ما العيش من دونك يطيب ! كيفي بك و أنتِ تخافين
الظلام في تلك الحفرة الصغيرة لوحدك، لا أنيس يؤانسك و لا جليس يرد الصوت لك. والله إن
الدموع لا تخجل النزول من أجلك، و والله إنا على بعدك محزونين، فاللهم ألهمنا الصبر و
السلوان و أجرنا على مصابها و فقدها. آمين.

2011/03/18

مجرد انعكاس



ستواجه
في الدنيا مشاكل، محن، مصائب، و كوارث! و لكن لا تجزع، فأنت أولاً و آخراً
مجرد انعكاس. و إن أصابتك من الله نعمة، عطية، أو هبة، فلا تغتر أيضاً، فأنت مجرد
انعكاس لا أكثر!

حينما تقف أمام المرآة و تنظر إليها، ماذا ترى؟ انعاكسك؟

هنا أقف مع نفسي و أتساءل حول الفرضية التي افترضتها قبل ثمان سنين تقريباً،
ماذا لو كنت أنت في الحقيقة مجرد انعكاس لمن هو داخل المرآة؟!

لو صح ذلك، فنحن كلنا في هذه الحياة نعيش وفق تصرفات من هم خلف المرآة! فأنا
أستيقظ كل صباح لأقبل رأس تلك المرأة التي هي في الحقيقة مجرد انعكاس لأمي، و
أنا مجرد انعكاس للشخص الذي أراه في المرآة.

أنا لا أحب، و لا أكره، و لا أغضب، و لا أندم، و لا أنام، و لا أقوم، و لا أغدر، و لا
أكذب، و لا أحب أيضاً! و لكني أقوم بتمثيل مسرحية بطلها شخص يقف خلف المرآة.
إنني حينما أستشعر هذه الفرضية أجدني أسامح الكثير ممن أخطأوا في حقي، فالذنب
ذنب من هم انعكاسه! و إلا لما فعلوا ما فعلوه معي.

إنني أغبط الكثير ممن نجحوا في حياتهم الانعكاسية، كيف أن الله وفقهم لأن يكونوا
انعكاساً لأناس ناجحين، فهم يتمثلون بأفعالهم فينجحون، و نحن ما بين شد الهمة و
جذب التخاذل و التسويف مترامين.

إنني حينما أقف أمام المرآة أنظر إلى وجه سيدي بتمعن، و لا أدري حينها أأنا الذي
أنظر في وجهه أم هو الذي ينظر في وجهي ـ انعكاسه ـ، و ماذا عساه سائل نفسه؟ في
أحايين كثيرة أجدني أكره تصرفاته و تقليعاته، فتارة يقص شعره فلا تعجبني القصة!
و تارة يلبس لباساً لا يناسبني! و أخرى أجده يجلس مع من أكره، و يسامر من
أبغض! أيا تراه يبغضهم أيضاً؟ أم أن مشاعري ليست انعكاساً لمشاعره كما هو الحل
مع سائر جسدي؟!


في كل حين تهور، و في كل لحظة تشتت، و في دقائق السهو، يحدث ما لا يبهج
النفس، و ما لا يطيب للعقل. في تلك اللحظات الشاردة يتهور أحدهم فيسرع قليلاً
بمركبته لينتج عن حادث اصطدام يذهب بحياته، و يا للأسف، حياة انعكاسه معه!
كثيرون الذين توفوا على إثر تسرع و تهور، دون أن يلقو بالاً لمن كان في انتظارهم، و
لا لانعكاسات لا ترغب الموت! انعكاسات تعيش حياة سعيدة، لا تكره، و لا تحقد، و لا
تغش، و لا تسرق!

يا معشر الأسياد، أناديكم باسمي و اسم جميع الانعكاسات معي فأقول: لا تجبرونا
على فعلٍ لا نريده! لا تقتلوا بعضكم بعضاً فنحن الذين نموت! و لا تجرحوا بعضكم
بعضاً فأرواحنا تهلك من أفعالكم! إنكم حينما تضطجعون على أسرتكم و تنامون يذهب
بعضنا إلى بعضنا الآخر فيستسمح منه عما بدر من سيده! ثم نحصي الحاضرين و
نبكي على الغائبين، أقصد المتوفين! من قتلتموهم بسوء تصرفاتكم.

أنتم تموتون، و لكنا لا نموت حقاً! نحن نبقى ما شاء الله أن نبقى في هذه الدنيا.
نسكن خيالات أحبتكم، و نتواصل مع أفئدتهم، و نزور منامات آبائهم و أمهاتهم.
نسكن أحلام من يبكون فراقهم من الإخوة و الأحبة. نطمئنهم على حالكم، و نوصل
لهم أحاديثكم و شكواكم. فإن أنتم ذهبتم إلى نعيم أدركناهم بخبركم فاستراحوا،
و إن كنتم في جحيم أبلغناهم فدعوا لكم و ناحوا. و ما نحن إلا يوم القيامة مجتمعين
في جسد واحد و ذات واحدة، نحاسب بما فعلتم، و نزر ما وزرتم. فكونوا بينا راحمين،
و بأنفسكم مترأفين.




في عالمنا هذا، لا تربطنا صلة قرابة، لا يوجد بيننا أب ولا أم، ولا أخ ولا أخت. لا نجوع
ولا نعطش، ولا نكل ولا نمل، ولا ننام ولا نتعب. نفعل ما تفعلون، و نأكل ما تأكلون. و
حينما تغمضون أعينكم نبدأ تمثيل أحلامكم، و نتواجد في فضاءات مناماتكم، فمن
يرغب بشيء بشدة مثلناه في عينيه كأنه حقيقة، و من يهاب شيئاً أرهبناه به في منامه.

يا أسيادنا، عليكم بأحلامكم! فإنها لغتنا الوحيدة التي نتحدثها معكم! و هو ترجماننا
الوحيد، فلا تغفلوا عنه، و لا تستغفروا منه.

أمام المرآة، ذلك الباب الذي يطل على عالمكم و عالمنا، لننظر في أعينكم و تنظرون في
أعيننا، و يا ليتكم تبصرون! كم من جروح نقشتموها على صدورنا و أنتم تتزينون و
تستترون بالجميل عن القبيح من خباياكم! و ما ضركم لو تصافيتم و تواددتم و
تحاببتم!

إن مشاعر الود التي تتبادلونها بينكم تحيي أنفساً عطشى في عالم انعكاسنا! و تضفي
البهجة بيننا، ففي لحظة نومك، و في ساعات اجتماعنا نلتف حول الانعكاسات المتحابة
فنمازحها بكلام عن أسيادها الأشراف و سرائرهم الطاهرة، و أخلاقياتهم النقية. فهم
ما بين خجل و حياء، و ضحك و فرح منكم و من أفعالكم الجميلة إلى لحظة استيقاظكم.

رسالة إلى أسيادنا الحاقدين، و إلى كل سيد ظالم مستأسد، طغى و تجبر على أسيادنا
الآخرين نقول:

من أنت لتطغى و تتكبر؟ فانعكاسك معنا يبكي بؤس حياته بك! و يشكو قلة حيلته
دونك! و يستسمح منا كل ليلة عنا بدر منه، و هو ليس منه! انعكاسك أشرف منك و
أجمل. فهو كغيره في عالمنا، عزيز بعزتنا كلنا، و محبوب في عالم لا يبغض فيه أحدنا
الآخر.

يا أسيادنا، لا تقتلوا أنفسكم أبداً، فأرواحنا مرتبطة بكم. و لا تباغضوا و لا تناحروا و لا
يسب بعضكم بعضاً، فإن أفعالنا ملزومة بأفعالكم، حتى و إن لم نوافقكم عليها، فنحن
بشرعية الانعكاس خاضعون و لقوانينه متبعون. استمعوا جيداً لما نقوله لكم في
أحلامكم، فهي رسائل لكم و لحياتكم!



مجرد فرضية!
أعود فأقول: لو أنها صحت، فقد يكون انعكاسي هو من أملى هذه الأحرف علي!