2014/10/10

هل حقاً يكرهنا الكفار؟

هل حقاً يكرهنا الكفار؟






في ٢٠٠٩ ذهبت إلى فانكوفر، كندا، لأجل السياحة و تدارك ما يمكن تداركه من لغتي الإنجليزية. طلبت منا المعلمة في أسبوعنا الثاني أن نكتب صفحة عن أي موضوع نريد، شريطة أن لا تقل عدد الكلمات عن ٣٠٠ كلمة. في طريقي للمنزل كنت أفكر عن أي موضوع سأكتب. قررت أن أكتب أخيراً عن ما أشعر به حقاً في كندا، و عنونت موضوعي بكلمة واحدة: منبوذ. كان الموضوع يتحدث عن نظرات الطلبة الفوقية لي، و ازدرائهم الواضح لكل ما أقوم به. و بررت أفعالهم تلك و موقفهم العدائي معي بأنني مسلم؛ أو في أقل تقدير بأنني عربي. بعد تسليمنا لمواضيعنا و عند انتهاء الحصة استأذنتني المعلمة بأن أبقى معها لمناقشتي حول موضوع خاص، ففعلت. قدمت لي ورقتي و سألتني: هل فعلاً تشعر بأنك منبوذ؟ أجبتها: نعم. قالت: هل قال لك أحد كلام جارح أو انتقص منك أو كان عنصرياً في تصرفاته معك؟ أجبت بالنفي. ابتسمت و أخبرتني أنه من المستبعد في معهد يضم جنسيات مختلفة أن يسلط الكراهية على جنسية بعينها، أو دين بعينه. نصحتني بأن أزيل هذه الشكوك من رأسي و أن أنظر للمحيط بنظرة مختلفة و سأشعر حينها بأن وجودي كوجود أي طالب آخر، يتم التعامل معه باحترام و تقدير دون النظر لأي دولة ينتمي هذا الطالب أو أي دين يدين به. و بالفعل، و مع مرور الأيام بدأت أتعامل مع الجميع كما لو كنت الطالب المفضل في المعهد حتى كونت صداقات شتى مع طلبة من مختلف الدول. اكتشفت حينها أن الجميع يحترمني، ليس لأني عربي، و لا لأني مسلم، و لكن لأني ببساطة إنسان.

دخل شهر رمضان و أنا في المعهد. بعد انتهاء الدرس أخبرتني المعلمة أنها تعرف بعض المعلومات عن رمضان و عن صيامنا، و أنه يجوز لنا الفطر في السفر. سألتني: هل ستصوم رمضان؟ أجبتها: نعم. قالت: إذاً لا مانع لدي إن غبت غداً أو حضرت نصف الحصة حتى لا ترهق نفسك. أعجبت كثيراً بتفهمها لموقفي و احترامها لديني و رغبتها في التسهيل علي لأداء فريضة الصيام. شكرتها و أخبرتها بأني سأحضر غداً كبقية الأيام دون تأخير. اليوم التالي كان يوم الجمعة، و في كل جمعة هناك فعالية ثابتة، و هي أن يقوم كل طالب بإحضار وجبة خفيفة معه ـ الموز مثلاً أو عصير التفاح ـ ثم نشاهد فيلماً وثائقياً نتناقش حوله بعد انتهائه حتى نقوي لغتنا في النقاش. قبل بداية الفيلم اعتذرت المعلمة من الجميع و قالت: لا نستطيع اليوم تناول الوجبة الخفيفة في حين مشاهدتنا للفيلم، يمكنكم تناولها خارج الفصل ثم العودة لمشاهدة الفيلم، ذلك أن اليوم هو أول أيام شهر رمضان حيث يصوم أصدقاؤنا المسلمون من الفجر إلى المغرب و نحن لا نريد أن نضايقهم بأكلنا أمامهم. كنت الطالب المسلم الوحيد في الفصل، أخبرتهم بأن الموضوع أسهل بكثير مما يتوقعون، و أنني في الأساس لا آكل كثيراً و سأُحرج كثيراً لو امتنعوا عن الأكل بسببي.


كانت هذه بعض المواقف التي عشتها في فانكوفر، تفاجأت كثيراً بتعاملهم و احترامهم لي و لديني. اجتاحتني مشاعر متضاربة حينها، بالراحة و الندم في ذات الوقت. الراحة لوجودي في مجتمع لا يختلف تعامله معي بناء على توجهي الديني أو اختلافي العرقي أو المذهبي. و بالندم على تصوري الخاطئ الذي بنيته عنهم وفقاً لما سمعت. الحقيقة لا يقع كل اللوم علي، و إنما على الأشخاص الذين نقلوا لنا صورة مظللة عن كل من لا ينتمي لديننا، سواء بكرههم لنا، أو وصفهم بأوصاف لا تليق إلا بالبهائم كعديمي الغيرة و سيئي التعامل. يقع بعض اللوم علي أيضاً إذ صدقت ما يقولون دون تثبت أو دليل. في الحقيقة هم يغارون، و حتى إن لم يعاملوك بخلق حسن بدافع من النبل و الإحسان، فهم سيحترموك حتماً خوفاً من القانون الذي سيحميك منهم و من أي تعدٍ.

للأسف، يقوم بعض الأشخاص كذباً بتشويه صورة المخالفين له دينياً بحجة الانتصار للدين، و محاربة الكافرين. و هو بكذبه هذا لا يقيم وزناً لقول الله تعالى: (وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۖ) فمخالفة الكافر لدينك لا تسوغ الظلم في حقه و قول ما ليس فيه. هم بكذبهم لا يعلمون أنهم ينخرون في مصداقيتهم و المؤسسة الدينية بأكملها، و قد ينتج عن ذلك حينما يكتشف الفرد العامي كذبهم تشكيكه بالدين و أنه مبني على كذب مماثل.

هنا نقطة يجب التنبيه عليها وهي: من هو الكافر؟
 الكفر اصطلاحاً، و هو كما عرفه ابن القيم: (الكفر جحد ماعلم ان الرسول صلى الله علية وسلم جاء به ، سواء كان المسائل التي يسمونها علمية أو عملية ، فمن جحد ما جاء به الرسول صلى الله علية وسلم بعد معرفتة بأنه جاء به كافر في دق الدين وجله) لاحظ قوله "بعد معرفته"، و بعضنا يكره غير المسلمين بالعموم سواء عرفوا الحق أم لم يعرفوه. لماذا يعتقد البعض أن كره غير المسلمين و التعامل معهم بجفاء سيحببهم في ديننا؟ و لماذا لا نرضى التصرف ذاته حين يصدر منهم؟ يجب أن التحب للآخرين الخير كما أحب الرسول ﷺ الخير لكل من دعاه، بما فيهم ابن جاره اليهودي. بالتعامل الحسن ننقل صورة حسنة عن ديننا و نحبب الآخرين بالإسلام حيث ننقل بتصرفاتنا تعاليم ديننا بأفضل وجه.

قبل ما يقارب السنة في أمريكا حدثت حادثة المسلح الذي اقتحم مدرسة الأطفال و قتل فيها عدداً من الأطفال و المعلمين. الكثير في تويتر كتب تشفياً اللهم زدهم نكالاً كما فعلوا بأطفالنا في فلسطين. و كأن الأطفال و المعلمين هم من قتلوا الأبرياء في فلسطين. نعمم عليهم أنهم كفرة و أنهم كلهم مشتركين في جرائم القتل و أن كل فرد فيهم له يد في قتل أي مسلم، ثم بعد ذلك كله لا نريدهم أن يصفونا جميعاً بالإرهاب و نطالبهم بتخصيص التهمة بمرتكب الجريمة فقط. إذا كنا لا نرضى القتل لأطفالنا العُزّل المسالمين الذين تغتصب أراضيهم، فكيف بنفس العقل نرضاه لغيرنا؟ كرهنا يجب تسليطه على العدو المحارب الظالم و ليس المسالم الذي لا ناقة له و لا جمل في معارك الدين و الدنيا.

لا أريد أن أطيل أكثر عليك صديقي القارئ و لكن هذه بعض الصور التي قد تريك جانباً لم تره فيهم، ليسوا كلهم سواء فمنهم الجيد و منهم السيء، و لكن هذه الصور قد تعطيك نظرة أكثر إنصافاً:


طالب غير مسلم يحمل المظلة على رؤوس زملائهم المصلين أثناء صلاتهم اتقاء الشمس

متظاهرين يهود يحملون لافتة كتب عليها: فلسطين هي أرض الفلسطينيين.

 أطفال إيرلنديون يضعون لافتة كتب عليها: إذا كنت ترغب بإجاد مكان آمن فلا تقف بجانب طفل فلسطيني.


 أب يهودي مع أطفاله يحملون لافتة كتب عليها: نفضل السجن على الالتحاق بالجيش.

فيديو: كاميرا خفية يقوم موظف إحدى المحلات بإلقاء كلام بذيء على ممثل يظهر كأنه مسلم أمريكي أمام المتسوقين لمعرفة ردة فعلهم، تدخل جندي أمريكي في الموقف بصرامة، انظر لموقفه

في نهاية التدوينة أريد أن أختم فأقول: نعم هناك من يكرهنا لديننا، كما أن فينا من يكره الآخرين لدينهم و لكن قاعدتنا الإسلامية تتمثل في قول الله تعالى: (وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۖ) فإذا كنا لا نرضى الظلم علينا بسبب اختيارنا الديني فقط، فكيف نرضاه لغيرنا؟