ليست الألوان وحدها التي تبهت مع الأيام، فطعم الفرحة التي كنا نعيشها صغاراً لم تعد ذاكرتي
تقوى على استرجاعها. لن أكون أول من يقرع طبول الحزن على أبواب العيد، و لن أكون آخر من
يتحرق شوقاً لماضي لم يكن بتلك الروعة التي يتصور! و لكني أجزم أن الجميع يقولون أن عيدنا
و رمضانا الآن " مالهوش طعم " كما كان من قبل. لماذا ؟
تقول إحداهن: [ مشتـآقه لأيآم الصبآ ,: بفستاني وشنطتي طقم الفستان .واروح لجارنا ابو
عبدالرحمن ويعطيني ريآل .. صح ريال بس كنت افرح فيه .. الحين الميات ماعاد احس فيها ]
في الليلة التي تسبق رمضان، أقف عاجزاً عن الفرحة أو الحزن و كأنه شهر يستوجب علينا
الامتناع فيه عن الطعام و الشراب فقط! و الوقوف بلا حراك لسماع تراتيل تطرب لها الآذان
و لا تتحرك لها القلوب. في العيد أنام متأخراً، كعادتي، ثم أصحو لصلاة الفجر و النوم يداعب
جفناً أرهقه التعب. بخطوات ثقال أعود إلى سريري لا أريد سوى النوم. فلا عيد يجيء معه الفرح
في هذه الأيام.
هل حقاً ماضينا جميل ؟ أم أننا نعشق الماضي بحلوه و مره لأنه ماض " و خلاص " ؟!
أعياد أذكرها صغيراً، ألبس فيها ثوبي الجاهز، أصيلاً كان أم دفة، و شماغ طرفه الأيمن يداعب
شحمة أذني و طرفه الآخر أجره على الأرض. لم يكن عقالي وحده المبتسم في تلك الأعياد! رغم
اتساخ ملابسنا من تراب شوارع جلسنا عليها لإشعال " الطراقيع ” و التراجم ببالونات المياة
كنا فرحين!
الآن، أشتري قماشاً بمبلغ و قدره من المحل الفلاني. ثم أقوم بتفصيله بمبلغ آخر و قدره عند
الخياط العلاني. شماغ يكوى، و عطور تشترى، و هدايا تجهز. آملاً فقط بيسير من فرحة أيام
لن تعود كما كانت أبداً.
العيد في صغري كان مصدر فرح لي لأسباب كنت أطمح لها. عيدية أجمعها، جزمة جديدة
أشتريها، الجلوس مع أهلي في الصباح و كأننا دمى بألبسة جميلة، اجتماع العائلة في بيت
جدي، شعوري بأن الجميع يعيش لحظة من السعادة و صفاء النفس.
الآن، أحاول جاهداً أن أجعل هذه الأيام هي الماضي الذي سيتذكره إخوتي الصغار. لتكون
إحدى العتبات الجميلة التي يقعدون عليها عند أبواب الذكرى بابتسامة تلفحها عبير من الماضي.
لم أحاول أبداً إجبار أخي الصغير على صلاة التراويح بالرغم من مجيئه معي مدعياً بذلك.
يركض في ساحة المسجد مع أبناء عمي يلعبون. نخرج من المسجد متجهين إلي إحدى الأسواق
القريبة منا لشراء " الطراقيع ”. بعد أذان المغرب يتوجهون إلى هرفي لشراء " آيس كريم ".
سيأتي اليوم الذي تتذكرون فيه هذه الأيام، و توجعكم الذكرى.
الماضي جميل، و لكن الحاضر أجمل. لن نعرف قيمة حاضرنا حتى يمضي.
ملحوظة: رمضاني هذا كان رائعاً. و أعتقد أن عيدي أيضاً لن ينسى! المقال لا يمثلني أبداً.