2009/09/19

مالهوش طعم





ليست الألوان وحدها التي تبهت مع الأيام، فطعم الفرحة التي كنا نعيشها صغاراً لم تعد ذاكرتي
تقوى على استرجاعها. لن أكون أول من يقرع طبول الحزن على أبواب العيد، و لن أكون آخر من
يتحرق شوقاً لماضي لم يكن بتلك الروعة التي يتصور! و لكني أجزم أن الجميع يقولون أن عيدنا
و رمضانا الآن " مالهوش طعم " كما كان من قبل. لماذا ؟

تقول إحداهن: [ مشتـآقه لأيآم الصبآ ,: بفستاني وشنطتي طقم الفستان .واروح لجارنا ابو
عبدالرحمن ويعطيني ريآل .. صح ريال بس كنت افرح فيه .. الحين الميات ماعاد احس فيها ]


في الليلة التي تسبق رمضان، أقف عاجزاً عن الفرحة أو الحزن و كأنه شهر يستوجب علينا
الامتناع فيه عن الطعام و الشراب فقط! و الوقوف بلا حراك لسماع تراتيل تطرب لها الآذان
و لا تتحرك لها القلوب. في العيد أنام متأخراً، كعادتي، ثم أصحو لصلاة الفجر و النوم يداعب
جفناً أرهقه التعب. بخطوات ثقال أعود إلى سريري لا أريد سوى النوم. فلا عيد يجيء معه الفرح
في هذه الأيام.

هل حقاً ماضينا جميل ؟ أم أننا نعشق الماضي بحلوه و مره لأنه ماض " و خلاص " ؟!


أعياد أذكرها صغيراً، ألبس فيها ثوبي الجاهز، أصيلاً كان أم دفة، و شماغ طرفه الأيمن يداعب
شحمة أذني و طرفه الآخر أجره على الأرض. لم يكن عقالي وحده المبتسم في تلك الأعياد! رغم
اتساخ ملابسنا من تراب شوارع جلسنا عليها لإشعال " الطراقيع ” و التراجم ببالونات المياة
كنا فرحين!

الآن، أشتري قماشاً بمبلغ و قدره من المحل الفلاني. ثم أقوم بتفصيله بمبلغ آخر و قدره عند
الخياط العلاني. شماغ يكوى، و عطور تشترى، و هدايا تجهز. آملاً فقط بيسير من فرحة أيام
لن تعود كما كانت أبداً.

العيد في صغري كان مصدر فرح لي لأسباب كنت أطمح لها. عيدية أجمعها، جزمة جديدة
أشتريها، الجلوس مع أهلي في الصباح و كأننا دمى بألبسة جميلة، اجتماع العائلة في بيت
جدي، شعوري بأن الجميع يعيش لحظة من السعادة و صفاء النفس.


الآن، أحاول جاهداً أن أجعل هذه الأيام هي الماضي الذي سيتذكره إخوتي الصغار. لتكون
إحدى العتبات الجميلة التي يقعدون عليها عند أبواب الذكرى بابتسامة تلفحها عبير من الماضي.
لم أحاول أبداً إجبار أخي الصغير على صلاة التراويح بالرغم من مجيئه معي مدعياً بذلك.
يركض في ساحة المسجد مع أبناء عمي يلعبون. نخرج من المسجد متجهين إلي إحدى الأسواق
القريبة منا لشراء " الطراقيع ”. بعد أذان المغرب يتوجهون إلى هرفي لشراء " آيس كريم ".
سيأتي اليوم الذي تتذكرون فيه هذه الأيام، و توجعكم الذكرى.

الماضي جميل، و لكن الحاضر أجمل. لن نعرف قيمة حاضرنا حتى يمضي.



ملحوظة: رمضاني هذا كان رائعاً. و أعتقد أن عيدي أيضاً لن ينسى! المقال لا يمثلني أبداً.

2009/09/15

مدري وش أهديه ؟





( ساعة، عطر، محفظة، و مسبحة )
لا تخرج الهدية غالباً عن هذه الخيارات الأربع. أجد، و قد
يجد غيري مثلي، أن عملية اختيار الهدايا مرهقة جداً! إلى درجة تدفعني للتثاقل فيها حتى أقارب
اليأس و أشتري " عطر و الا ساعة ". لماذا عطر ؟ ألهذه الدرجة نحن شعب " مخيس ” ؟ و
الساعة! أعتقد أنها هدية دخيلة على مجتمع لا يقدر الوقت، إلا من رحم ربي.

حينما تأخذ فكرة حيزاً من تفكيري تتشعب إلى أفكار لا تنتهي فأتعب حتى أعود إلى نقطة
البداية مرة أخرى و أتساءل عما إذا كانت الأسباب هي الدافع وراء النتيجة أم العكس!


لا أذكر جميع هداياي التي قمت بإهدائهــا، و لكني أعلم أنها قليلاً ما تخرج عن حيز المعتاد
من عطر أو ساعة. أخبِرت يوماً بأن أفضل الهدايا هي تلك التي توافق رغبة في نفس المهدى له،
و لكني وجدت أننا شعب نتكلم كثيراً دون الاحتكاك بحدود رغباتنا! فيسد هذا الباب في وجهي.

أعود إلى أجمل الهدايا التي أهديت لي، بعضها قد لا يحمل تعريف الهدية و لكن أثره في نفسي
لا ينسى و لن. قبل عام، تقريباً، أخذت أهلي إلى إحدى " الملاهي " ثم ذهبت على أن أعود إليهم
حينما تتصل أمي علي. عدت إلى المنزل و قضيت يوماً عادياً جداً. اتصلت بي أمي فذهبت. بدأ
الأطفال بركوب السيارة و الصراخ و " القلق ” ثم ركبوا جميعاً. قبل أن تتحرك السيارة قالت لي
إحدى قريباتي: [ خذ يا فراس، شريت هالكوكيز لك ]. انحرجت من تصرفها جداً! شكرتها و
تحركت السيارة. كنت آكل قطعاً صغيرة منها و كل تفكيري في ذلك الإحساس الدافئ الذي
يتدفق في صدري. جميل جداً ذلك الإحساس، و لا أدري حقاً لماذا. كنت، و أعتقد أن السبب هو
هذا، فرحاً حينما تخيلت أن هناك من يفكر بشكرك على مجهودك لحظة انشغال البقية في إسعاد
أنفسهم. قلت، و سأقول دوماً، أن الهدية بلا ميعاد و لا سبب لها مفعول يسحر النفس، و يدغدغ
المشاعر!


في السنة التي سافر أهلي فيها إلى ماليزيا و قضيت أنا ذلك الصيف " منطقّاً " في الرياض
لإكمال دراسة الفصل الصيفي، كانت التجربة جديدة علي و كانت جميلة في بدايتها. لم تلبث،
كعادة كل التجارب، أن تتحول إلى اشتياق إلى أهلي. بعد شهرين تقريباً عادوا. و مع غمرة
الفرحة لم يكن شيء يسواي فرحتي برؤيتهم حتى نسيت أن " أتشره " عليهم بعدم إحضار
هدايا لي و لو شيء " يتعذرون به! “. و قبل أن أنام دخلت علي أمي بـ T Shirt أسعدني
كثيراً، أكثر مما أعجبني. حتى أني كنت ألبسه في كل أسبوع حتى " حللته " !

من وجهة نظري أن الهدية المتميزة ترتكز على ركيزتين:

١ـ التوقيت.
٢ـ الحاجة.


و لا أنكر أبداً وقع أثر الشخص المهدي و مكانته و تأثيره على قيمة الهدية نفسها.

متزوجة، قرآت قصتها في إحدى المجلات قديماً، تقول أنها أثناء فترة ملكتها كانت تخبر زوجها،
كعادة الكثير من المتملكات، عن كل صغيرة و كبيرة تدور في البيت بكل ما أوتيت من " طفاقة ".
و في أحد الأيام كانت غاضبة من أختها التي لا تنفك من استخدام وسادتها! تقول، زارني عقبها
زوجي زيارته الأسبوعية و كانت فرحتي لا توصف حينما رأيته يحمل وسادة هدية لي! بالطبع
قيمة الوسادة لا تقارن بقيمة الهدايا التي أهدانيها بعدها. و لكن الوسادة هدية لن أنساها أبداً!


نحب أن تهدى لنا الهدايا لأنها تشعرنا بقيمتنا. بأن هناك من يفكر فينـا. أما حينما توافـق
الهدية رغبة في النفس، أو أمنية عابرة قيلت في مجلس يملأه الضحك، فهي هدية لا تنسى.

قال رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ: “ تهادوا تحابوا ”.