2009/08/11

في فانكوفر .. ٧

منذ الأسبوع الأول حتى الأسبوع الثالث و أنا في حالة " فلوزة ". أسقط من الإرهاق تارة و أستيقظ
من " الزكمة " تارة. تذكرت، كثيراً، حينها كيف كنت أتعامل مع المرض في بيتنا. لم أكن أحمل
هم شيء أبداً. شاي بالليمون يدخل و شوربة تخرج. أمي تتطمن على صحتي و كل شيء متيسر.
ذهبت إلى London Drugs لأشتري منهم Panadol و لكن البائع أخبرني بأنه لا يتوفر لديهم،
و لكن في كندا يوجد بديلاًٍ عنه دواء نسيت اسمه. أخذته و كان مثل " قلّته " !


في بداية الأسبوع الثاني دلفت إلى الفصل مبتسماً [ Hey, Good morning ! ] ابتسمت
تشاو تشي، الطالبة التايوانية، و ردت التحية. التفت إلى الزاوية اليسرى من الفصل لأرى طالباً
جديداً، كل يوم إثنين نستقبل طلاب جدد و كل جمعة نودع طلاباً أخر، تبدو ملامحه عربية و لكني
لست متأكداً. على كل حال، سأحاول تجنبه قدر الإمكان حتى لا أضطر للحديث بالعربية معه.
بدأ الفصل و بدا واثقاً من نفسه ثقة تضفي على شخصيته جمالاً ! أحبه الفصل و ارتحت له
كثيراً.
مع الأيام أصبح أقرب صديق لي في كندا. كانت صفات كثيرة نشترك فيها، منها حبنا لتجربة
كل جديد !

توني، دينيس، و بولينا كانو أقرب ثلاثة أصدقاء لي. يوم الثلاثاء خرجت مع صديقي السعودي
لتناول وجبة الغداء في المطعم اليوناني. يقول صديقي بأنهم يقدمون لحمة ضأن " تاكل أصابعك
وراها "
. أجبته بكل جدية [ أجل منيب ماكل ].
بعد وجبة الغداء، التي كانت أفضل من مدحه بمراحل، عدنا إلى المعهد. كلانا انتهى يومه الدراسي
و لكنا عدنا ليلتقي ببعض أصدقائه. لمحت أصدقائي المكسيكيين من بعيد، كانت علاقتي فيهم
لحظتها سطحية إلى أبعد الحدود. اقتربت منهم حتى وقفت خلفهم. دفعت توني إلى الأمام و
صرخت: [ !! Give me your money ]. التفتوا إلى مفزوعين. زالت الرهبة عن وجيههم
لحظة تأكدهم من أن الشخص المخيف ليس إلا الشاب اللطيف [ أنا ]. سألتهم عن وجهتهم ؟
قالوا أنهم للتو أكملوا أكلهم Botien من المقهى الفلاني. البوتين هي أكلة كندية يشتهر ذلك
المقهى بصنعها. كنت أعتقد أنها حلى لذلك ذهبت لأحلي و لكني تفاجأت أنها وجبة غداء دسمة
ذهبت مباشرة إلى بطن توني الذي لم يشبع من " بوتينه ” !

[ We're going to the Gas Town ]. سألتهم إن كان بإمكاني مرافقتهم فوافقوا. ذهبنا
لنشاهد الساعة البخاربة و هي ساعة قديمة جداً تعود إلى السنة الـ " مدري كم ” ! ثم ذهبنا
لنشتري قطع تذكارية. لم أكن أنوي شراء أي قطعة لولا ذهابي معهم.

كانت تلك " الخرجة ” هي الباب الذي من خلالهم بدأت علاقتي بهم تزداد. عدنا بعدها إلى المعهد
لأني كنت مشتركاً في رحلة معه جولة بالدراجات في Stanley Park و التي كانت، مصادفة،
دينيس مشتركة فيه أيضاً. خرجنا في تلك الرحلة و التي كانت ممتعة حقاً. تعرفت فيها على شاب
لطيف من البرازيل يبلغ من العمر ١٥ سنة فقط. يقول أنه يتمنى لو كان يبلغ ١٩ سنة ليتمكن من
دخول البار ـ هع ـ. دينيس ترجع من أصل عائلة مكسيكية كاثولوكية. تكاد تتنبأ بمدى تمسكها
بدينها من مجرد النظر إلى لبسها المحتشم. تتفق معي بشكل كبير في معتقداتي و مبادئي. دار
بيني و بينها حوار حول الديانة الكاثولوكية و قربها من دين الإسلام. و أن الإسلام ما هو إلا امتداد
للنصرانية التي تتفرع الكاثولوكية منها. من الصعب جداً أن تقنع شخصاً بصحة دينك من مجرد
حوار، و لكني أكاد أجزم أن حوارنا تلك الليلة لم يكن " بلّوشي ". سألتني يوماً عن مدى تمسكي
بديني. أجبتها بأني مقصر و لكني قدر الإمكان متمسك. أخبرتها بأني لا أؤمن بالعلاقات الغرامية
دون قبل الزواج. أخبرتها أن ديننا ينهانا عن شرب الخمر و عن الكذب و عن و عن... و أني
و لله الحمد متمسك بكل ما ذكرت. بدأت تخبرني عن دينها و عن مدى تمسكها به و أنها تواضب
على حضور الكنيسة كل أحد و أنها تحب الله و عيسى. و أنها تؤمن بأن مريم عذراء، أجلها
الله عن كل ما ذكر من سوء. دار بيني و بينها حوار عن كيف استطاعوا أن يؤمنوا بأن عيسى
هو ابن الله ـ تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً ـ ! و إذا ما هو كذلك، فكيف يدع الله تعالى عبدته
يقتلون ابنه ! هذا إن كان قتل أصلاً.

انقضى ذلك اليوم بحلوه و حلوه. عدت إلى المنزل طريح الفراش من بقايا " الزكمة ". في نهاية
الأسبوع اتفق طالب فرنسي في فصلي مع مجموعة من الطلبة، كنت ضمنهم، أن نخرج سوية.
وافق الجميع حيث ذهبنا إلى Stanley park لندخل إلى المعرض المائي الذي قمت بزيارته قبل
ذلك. بولينا، توني، رافييل، و طالبة برازيلية أخرى أيضاً زاروه مسبقاً. اتفقنا على أن نتجول في
الحديقة ريثما ينتهوا من " خرابيطهم ". مشينا في مسارات مترفعة لا تنتهي. في منتصف الطريق
توقفنا في مدرجات ملعب. جلسوا جميعاً و ذهبت أنا لأقف في منتصف الملعب ملوحاً بيدي للجماهير.
ثم أخذت أهرول و أنا أرسل " بوساتي " للجمهور. نزلوا إلى الملعب ضاحكين و قاموا بحركات
غبية. “ ما أقول إلا العقل نعمة ! “.

في اليوم الأخير في الفصل، اليوم الأخير لدينيس، أخبرتنا المدرسة بأن درسنا اليوم استثنائي.
سنقوم نحن باختيار الموضوع الذي سنتكلم عنه. صرخ طالب في الجهة المقابلة لي من الفصل
[ let's talk about sports ]. تذمر البنات من اختياره و طالبوا بالحديث عن الحب ! كان
اختياري للصداقة. من بين مواضيع كثيرة فاز بالترشيح موضوع الحديث عن المناطق السياحية
في كندا.
عقبها، تم ترقيم طلبة الفصل و بطريقة عشوائية وقع اختيار دينيس لتكون معي. كانت طريقة
الدرس أن نخرج و نتجول في شوارع المدينة سائلين المارة عن الأماكن السياحية في فانكوفر.
و الهدف هو أن نتجرأ بالتحدث باللغة الإنجليزية. كانت الفكرة جميلة و لكن التطبيق يشوبه كثير
من الحساسية. انتهى الدرس على ما يرام.
بعد سفر دينيس سألني أكثر من طالب عما إذا كانت دينيس " القيرل فريند بتاعي ؟ ". أيقنت
حينها أن الوضع لا يختلف كثيراً عما هو عليه في السعودية !


صور مختارة



المقاضي اللي شريتها من لندن درقز و تظهر علبة الدواء


طبقي من المطعم اليوناني


البوتين ما أكلته و للحين ما جرلته و لا مشتهيه مكون من البطاطس و الجبن و مدري وش هالكريمه


الساعة البخارية


الدراجات في ستانلي بارك التابعة لطلبة المعهد


منظر من حديقة ستانلي بارك يطل عالبحر. يظهر في الصورة الطالب البرازيلي اللي عمره ١٥ سنة


في ستانلي بارك


منظر من حديقة ستانلي بارك

2009/08/09

في فانكوفر .. ٦

في ليلة الوداع. ليلة الانتقال من مسكني الأول. جلست أنا و أحمد على الدكة الخارجية للمنزل.
سماء سوداء صافية تلمع فيها بعض نجوم. و صوت حفيف الشجر مع نسمة هواء شبه باردة.
لا صرصرة و لا " وطوطه ". هدوء معه قد أسمع صوت نفسي. أقرب كوب الشاهي مني لأرتشف
منه رشفات خجولة تداعب فيه شفتي أعناق الحبق. أحمد بابتسامته المعتادة ينظر إلي و كوب
الشاهي " بتاعه " أبعد قليلاً من " سواليف " لا بد أن تطرح. ينفث الدخان الذي اكتنزه لثوان
في الهواء. أميل بجسدي قليلاً بابتسامة تعجب فيضحك. [ والله ما راح يجي الدخان بوجهك ! ]


أذكر حينما وصلت إلى مسكني الأول أديت صلاتي الظهر و العصر عكس القبلة. ساعدني أحمد
في استقبالها. عدت بعد يومين و بغباء مفرط في النكوس عن القبلة. لا أدرى أي " بلاهة "
فكرية كنت أعيش ! و لكن الله يفعل ما يريد.
قبل كل صلاة كنت، و مع العلم من وجود تقويم في جهازي، أسأل أحمد و حسين: [ الحين دخل
وقت الصلاة ؟ يعني أصلي ؟ ]
فيجيبوني بالموافقة. كانت تلك رسائل غير مباشرة تدعوهم
لنؤدي الصلاة في جماعة. لم أكن لأصارحهم لشك انتابني بأنهم ينتمون لمذهب مختلف.

[ وش جالس تفكر فيه ؟ ] قاطع فكري الشارد أحمد. [ أهلي و أخوياي ] باستعجال يثير
الشك أجبته. خضت بعده نقاشاً ودياً معه حول أضرار التدخين و أن كل " سقارة " تنقص
من عمره خمسة دقائق، فقط لتضييع السالفة.

بدأ يتحدث عن أيامه قبل البعثة. عن حياته المنقسمة ما بين القرية و المدينة. عن ماضيه مع الماشية
و كيف كان يقضي نهاره في المدرسة لا يسمن و لا يغني من جوع. حتى إذا ما قفل عائداً
إلى المزرعة وجد نفسه فيها و استكان و استراح. بدأ يصف لي رائحة الشعير و صوت الخراف
و غروب الشمس خلف الجبال. صفاوة الماء التي لا تعدلها صفواة. لبن " الخلفات " حين يملأ
به وعاءه مع حبات التمر الذي لا يحسن التفريق بين أنواعه! قصص مع الجن عاشها و قصص
سمع بها. يحلف بكل قوة أني لو كنت معه لأحببت الوضع. اكتفيت بابتسامة.

دفة الحديث لم تكن لتتوجه إلى أبداً، و ما رغبت بها. ابتسامة، همهمة، حركة رأس، و تعجب كانت
كفيلة لشحذ مخزون كلامه ليستزيد و أستزيد.
يضحك كثيراً، و بفخر، حينما يتكلم عن قبيلته و عن شيوخها. يحاول تقليد أصوات المنادي و
ينشدني بعض أشعار التسامح التي تنشد عند طلب العفو. يتذكر حين كاد له نيف من قبيلة
مجاورة و استفردوا به في مكان نائ. فلم يسعفه بعد حفظ الله و رعايته إلا معرفته الوثيقة بأحدهم
فوقف عنه مدافعاً و حصيناً.

بعض ممن يعرفني يثني على بحسن إنصاتي و تجاوبي مع المتكلم. و أكثر منهم يتضجر من كثرة
مقاطعتي ! و لكني أعلم يقيناً أن إرضاء الناس غاية لا تدرك فلا أجادل. ولكن، في تلك الليلة،
لم يقاطع، حتى الهواء، حديثه. كانت رحلة مشوقة و تقليب في صفحات ماضي شخص غريب.
و من دون أن أسألك، و في سياق حديثه عن " المضاربات "، مال إلى الحديث عن مذهبه بتشوش
متعب. لم أستطع خلال كلامه أن أستشف ماهيته. بذكاء مفرط استطاع أن يدلو بدلوه دون
أن أتمكن من استسقاء المعلومة التي أريد. بحماسة واضحة سألته [ يعني شيعي ؟ ]. بتحفظ
شديد بدأ في سرد إجابة مطولة. أتعجب كثيراً من مقدرته على الحديث طويلاً لمدة دقائق عائماً
في منطقة رمادية بين السنة و الشيعة. سكت، فهاجمت [ يعني سني ؟ ] عاد فأكمل بإجابة أطول.
عد أخذ و رد اتضح لي أنه شيعي. لم يكن عجبي أكثر منه حينما اعترف بأنه لا يختلف عن مذهب
أهل السنة في شيء ! [ طيب ليش ما تقول عن نفسك سني ؟ ] سألته بابتسامة تعجب و قد تحركت
بجسدي قليلاً إليه. ابتسم ليقول [ يعني تفرق بالتسمية ؟ ]. تحدثنا عن معنى التسمية و لماذا
يفضل أن ينسب نفسه لمذهب أهل السنة و الجماعة طالما أنه يؤمن بأحقية محمد بالرسالة و أن
الله واحد أحد، فرد صمد، لم يلد و لم يولد. سألته حينها [ طيب ليه ما صلينا جماعة ؟ ].
حقيقة، لا أذكر الإجابة.


توجهت في اليوم التالي إلى مسكني الجديد. قبل انطلاقي، قامت " المدام " بتحضير وجبة الإفطار
لنا “ hot dogs ”. كنت أتضور جوعاً، و لكن أمي تقول [ لا تاكل خنزيز ! ]. لا أدري " وش جاب طاري"
الخنزير و لكن من الباب الحيطة لم آكل. اعتذرت منها مبدياً عدم رغبتي خصوصاً بأني لا آكل
بعد النوم مباشرة. فور ذهابها أخذت تفاحة و خرجت. كان الـ TAXI في انتظاري خارجاً.
ودعت العائلة و ذهبت.

كان منزلي الجديد يبعد 45$ عن القديم. أستغرب من هذا المعهد الذي لا يتكلف بمصاريف أخطائه !
وصلت، فتحت باب الحديقة و طرقت الباب. أطل من النافذة العلوية رجل. أخبرته بأني طالب جديد.
أمرني بالتنحي عن الباب و العودة إلى الخلف ! ثم سألني عما إذا كنت أحمل معي ورقة تعريف
أو دليلاً على كلامي. كان تعامله مزعجاً جداً و لكني آثرت التغاضي. بعد تأكده طلب مني الخروج
من الحديقة و الإنتظار خارج المنزل. بشنطتي المحملة بـ " كل شيء " أجرها خلفي خارج
المنزل لأقف منتظراً شيئاً أجهله. توقفت بجانبي سيارة و إذا به نفس الرجل. طلب مني وضع
الشنطة داخل السيارة و الركوب معه. أخبرني بأنهم يمتلكون منزلين و أن سأسكن مع أخته
في الثاني. [ أي بيت منتب فيه كويس !] قلت في نفسي.

وصلنا و لم يكن في استقبالنا أحد. أيقنت حينها أن استقبال الضيوف عند آل فانكوفر ليس من
سلوم الرجاجيل و إلا لما تكرر معي الموقف. فتح الباب ليرني المنزل. فتح باباً آخر و هو يقول:
[ This is your room ] ليتفاجأ بأكوام الملابس ملقاة على سرير لم يرتّب بعد.
[ I'm so sorry. It is supposed to be cleaned ] ثم بدأ بالتحدث مع أخته بلغتهم.
ابتسم ابتسامة المخرج و طلب مني إبقاء حقيبتي في المنزل و الذهاب معه لنستقل الحافلة ليريني
كيفية الوصول إلى المدرسة. كان " مشواراً " مملاً جداً. عدنا بعده إلى غرفة تسمى نظيفة. الحمد
لله على كل حال.


بالرغم من التأكيد على المعهد بخصوص السكن مع طالب سعودي، كان جاري في الغرفة سعودي.
و أعادت الأيام نفسها ليمد لي يده بالتسليم فأرد بـ " Hello ”.
بعد أن عادت العائلة أوقظني من نومي لأتناول معهم وجبة العشاء التي تكون غالباً في الساعة
السادسة عصراً ! هي عائلة فلبينية، الرز الأبيض هو الطبق الرئيسي. غالبية أكلهم بدون ملح.
كنا نتحدث عن سبب مجيئي إلى كندا و الخلل الذي واجهني في السكن و أمور مختلفة. أكثر
كلمة ترددت في تلك الأثناء [ Eat Eat Eat Eat ]. تذكرت جدي، لا يقتنع أبداً بأي مقدار تأكل.
قناعته كلها تكمن في المدة التي تجلس فيها على " السفرة ". سألتني حينها Lawrina:

Are you afraid from catsأجبت بالنفي في حين أني لا أحبذ أن تلامسني أبداً.
أخبرتني أني سأجد وقتاً ممتعاً مع قطتها " كيتي ” التي ترقد على الكنبة المجاورة. التفت لأجد
حمار و ليس قطة ! من خلال حديثهم اكتشفت أنهم يمتلكون أربعة أنواع من الحيوانات، التي
أعرفها. قطة، أرنب، هامستر، و كلبان. عند نزولي إلى غرفتي قابلت الأرنب و يا ليتني لم أقابله !



صور مختارة



الجلسة اللي جلست مع أحمد بتالي الليل فيها.


غرفتي الجديدة نص متر في نص. =)


الحمار كيتي الله لا يرد كيتي.


أرنبهم، مدري والله وش يأكلونه غير الجزر. عجزت أصير زيه !