2013/09/15

لماذا ابني ليس ذكياً؟ "افتا"

لماذا ابني ليس ذكياً؟ "افتا"




قبل عدة سنوات ـ في المدرسة ـ كنت أجد صعوبة في التركيز أثناء شرح المعلم. كنت ألوم نفسي كثيراً على ذلك، بالرغم من بذلي مجهوداً كبيراً حتى أكون حاضر الذهن أثناء الحصة. غالباً ما تنتهي محاولاتي بالفشل. إذ أخرج بخيالي خارج حدود الفصل إلى عالم مختلف تماماً لا يقطعه إلى صراخ المعلم لي: فراس وين رحت! اعتقدت آنذاك أني لم أعد أحب المدرسة، و لم أعد أستمتع بشرح المعلم كما كنت. بدأت تسكنني فكرة أني طالب كسول و أن مستواي الدراسي سينخفض تبعاً لذلك. اكتشفت صدفة بعد فترة أني لا أستطيع قراءة اللافتات البعيدة نسبياً في حين كان أصدقائي لا يجدون مشقة في قراءتها. أجريت فحصاً لنظري فوجدت أن لدي ضعفاً و انحرافاً في النظر. نصحني الطبيب بلبس النظارة ففعلت. أصبحت الحروف أوضح، و الكلمات أقرب، و بات التركيز عملية سهلة. تحسن مستواي الدراسي و عادت نفسيتي للدراسة كما كانت. 

أحياناً نعتقد أن أبناءنا كسولين، و لا يعطون الدراسة القدر الكافي من اهتمامهم. نراهم ينشغلون كثيراً بأي شيء عنها، بالرغم من ذكائهم إلا أنهم غالباً ما يستغلون هذا الذكاء في شيء لا يفيدهم! ما الحل إذا؟ الحل أولاً هو معرفة المشكلة. قد يكون طفلك مبدع حقاً و لكنه يعاني من شيء تجهله. ضعف في السمع، أو في البصر كحالتي، أو يعاني من شيء آخر تماماً. 

لماذا أكتب هذا الموقف الآن؟ السبب بسيط جداً. في شهر رمضان دعاني صديقي لحضور حفل سحور أقامته إحدى الجمعيات، جمعية  افتا: جمعية دعم اضطراب فـرط الحركة و تـشتت الانتباه. في ذلك الحفل سمعنا معلومات مهولة عن هذا الاضطراب الذي قد يكون الكثير من أطفالنا مصابين به دون علمنا. فعدد الأطفال المصابين بهذا الاضطراب في الرياض فقط يبلغ ١٢,٦٪ و في الدمام النسبة أكبر، إذ تبلغ ١٦,٧٪ !

لماذا موضوع افتا يهمني؟ لأن الموضوع خطير جداً. فبالرغم من كمية الإبداع الموجودة فيهم فإنها إن لم تستغل كانت سلاحاً خطيراً ضد المجتمع. سأذكر بعض الآثار السلبية التي تنتج عن المصابين بهذا الاضطراب:

ـ ضعف التحصيل الدراسي: طرد من المدرسة، توقيف، عدم الحصول على شهادة ثانوية.
ـ طلاق و انفصال الوالدين نتيجة كثرة المشاكل حول ابنهم دون علمهم بالسبب.
ـ يميلون للـ: السرقة، اقتحام المنازل، التعدي الجسدي، التعدي بالسلاح، و الاعتقال أخيراً.
ـ نسبة الجرائم لأطفال افتا ٤٦٪ و أقرانهم السليمين ١١٪.
ـ يلجأ للتدخين قبل سن ١٦ سنة ٧٥٪ من المصابين بافتا.
ـ أكثر عرضة للإدمان على: الهيروين / ماريجاوانا / كريستال ميث / الغراء / الكوكايين / الكحول.

هذه بالنسبة للأضرار السلبية التي يقع تأثيرها على المصاب و أهله. أما بالنسبة للخسائر المادية على الدولة، ففي أمريكا قاموا بإجراء إحصائيات حول هذه الخسائر فخرجوا بالأرقام التالية:

ـ ١٣,٦ مليار دولار سنوياً تكلفة المشاكل الأكاديمية.
ـ ٣٠٧ مليار دولار الخسارة المالية الناتجة عن الخسارة الإنتاجية للمصابين بافتا.
ـ ١٢,٨٦٨ دولار للفرد الواحد و هي التكلفة الناتجة عن جرائم الفرد الواحد من افتا. أقارنهم السليمين تبلغ متوسط تكلفة جرائمهم إلى ٤٩٨ دولار.
ـ ٤٢ مليار دولار سنوياً هي التكلفة الاقتصادية لافتا (تكلفة التعليم و الصحة و الجريمة).


السؤال الآن: هل ابني مصاب بافتا؟ تستطيع أن تعرف إجابة هذا السؤال بنفسك من خلال ملاحظة الأعراض الثلاثة الأساسية لهذا الاضطراب على ابنك و هي:

ـ تشتت الانتباه.
ـ فرط حركة.
ـ الاندفاعية.


و هذه الصورتان ستوضحان لك أكثر ما هي الأعراض و كيف تكتشفها:

تشتت الانتباه و فرط الحركة


الاندفاعية 


حتى إن وجدت هذه الأعراض الثلاثة في ابنك فهناك أربعة شروط يجب أن تتواجد فيه:

١ـ أن تظهر عليه الآثار قبل سن السابعة.
٢ـ أن تحدث الأعراض في مكانين مختلفين على الأقل: المنزل ـ العمل ـ المدرسة ...إلخ
٣ـ أن تؤثر بشكل سلبي و كبير في جوانب متعددة من حياته: اجتماعياً، مهنياً، تعليمياً.
٤ـ أن تستمر الأعراض لأكثر من ستة أشهر و أن لا يكون ظهورها نتيجة لحالة عاطفية مرضية أو عقلية.


بعد أن تتأكد من أن ابنك يعاني من افتا فإن العلاج يتكون من ثلاثة أقسام: دوائي، و تربوي، و سلوكي. طرق العلاج سهلة و لمعرفة المزيد يمكنة التواصل مع جمعية افتا :

الموقع: http://ar.adhd.org.sa/
الحساب في تويتر: https://twitter.com/adhdarabia


الجانب المشرق من الموضوع: افتا يدفعك للإبداع! فتشتت انتباههم و فرط الحركة لديهم ينتج عنه الكثير من الأفكار الخلاقة و الطرق الجديدة التي يندر على غيرهم الوصول إليها. هذه بعض الأمثلة لمشاهير العالم الذين أبدعوا و هم مصابون بهذا الاضطراب: 


ألبرت أينشتاين: من أشهر علماء الفيزياء في العصر الحديث و صاحب النظرية النسبية


والت ديزني: الشهير مؤسس أشهر شركة إنتاج صور متحركة في العالم


مايكل فيلبس: السباح الأمريكي محطم الأرقام القياسية و صاحب الميداليات الذهبية


أجاثا كريستي: صاحبة أشهر الروايات البولوسية




     ختاماً؛ يجب أن نعي جيداً أن هناك أسباب خلف كل مشكلة يقع فيها الآخرون، بعضها نعلمها و البعض الآخر نجهله. لذا قبل أن نوجه أصابع الاتهام لمن أخطأ يجب أن ندرس كل الاحتمالات و لا نستعجل. فقد يكون سبب تأخر ابنك الدراسي خارج عن ارادته، مصاب بـ افتا مثلاً.