2011/03/18

مجرد انعكاس



ستواجه
في الدنيا مشاكل، محن، مصائب، و كوارث! و لكن لا تجزع، فأنت أولاً و آخراً
مجرد انعكاس. و إن أصابتك من الله نعمة، عطية، أو هبة، فلا تغتر أيضاً، فأنت مجرد
انعكاس لا أكثر!

حينما تقف أمام المرآة و تنظر إليها، ماذا ترى؟ انعاكسك؟

هنا أقف مع نفسي و أتساءل حول الفرضية التي افترضتها قبل ثمان سنين تقريباً،
ماذا لو كنت أنت في الحقيقة مجرد انعكاس لمن هو داخل المرآة؟!

لو صح ذلك، فنحن كلنا في هذه الحياة نعيش وفق تصرفات من هم خلف المرآة! فأنا
أستيقظ كل صباح لأقبل رأس تلك المرأة التي هي في الحقيقة مجرد انعكاس لأمي، و
أنا مجرد انعكاس للشخص الذي أراه في المرآة.

أنا لا أحب، و لا أكره، و لا أغضب، و لا أندم، و لا أنام، و لا أقوم، و لا أغدر، و لا
أكذب، و لا أحب أيضاً! و لكني أقوم بتمثيل مسرحية بطلها شخص يقف خلف المرآة.
إنني حينما أستشعر هذه الفرضية أجدني أسامح الكثير ممن أخطأوا في حقي، فالذنب
ذنب من هم انعكاسه! و إلا لما فعلوا ما فعلوه معي.

إنني أغبط الكثير ممن نجحوا في حياتهم الانعكاسية، كيف أن الله وفقهم لأن يكونوا
انعكاساً لأناس ناجحين، فهم يتمثلون بأفعالهم فينجحون، و نحن ما بين شد الهمة و
جذب التخاذل و التسويف مترامين.

إنني حينما أقف أمام المرآة أنظر إلى وجه سيدي بتمعن، و لا أدري حينها أأنا الذي
أنظر في وجهه أم هو الذي ينظر في وجهي ـ انعكاسه ـ، و ماذا عساه سائل نفسه؟ في
أحايين كثيرة أجدني أكره تصرفاته و تقليعاته، فتارة يقص شعره فلا تعجبني القصة!
و تارة يلبس لباساً لا يناسبني! و أخرى أجده يجلس مع من أكره، و يسامر من
أبغض! أيا تراه يبغضهم أيضاً؟ أم أن مشاعري ليست انعكاساً لمشاعره كما هو الحل
مع سائر جسدي؟!


في كل حين تهور، و في كل لحظة تشتت، و في دقائق السهو، يحدث ما لا يبهج
النفس، و ما لا يطيب للعقل. في تلك اللحظات الشاردة يتهور أحدهم فيسرع قليلاً
بمركبته لينتج عن حادث اصطدام يذهب بحياته، و يا للأسف، حياة انعكاسه معه!
كثيرون الذين توفوا على إثر تسرع و تهور، دون أن يلقو بالاً لمن كان في انتظارهم، و
لا لانعكاسات لا ترغب الموت! انعكاسات تعيش حياة سعيدة، لا تكره، و لا تحقد، و لا
تغش، و لا تسرق!

يا معشر الأسياد، أناديكم باسمي و اسم جميع الانعكاسات معي فأقول: لا تجبرونا
على فعلٍ لا نريده! لا تقتلوا بعضكم بعضاً فنحن الذين نموت! و لا تجرحوا بعضكم
بعضاً فأرواحنا تهلك من أفعالكم! إنكم حينما تضطجعون على أسرتكم و تنامون يذهب
بعضنا إلى بعضنا الآخر فيستسمح منه عما بدر من سيده! ثم نحصي الحاضرين و
نبكي على الغائبين، أقصد المتوفين! من قتلتموهم بسوء تصرفاتكم.

أنتم تموتون، و لكنا لا نموت حقاً! نحن نبقى ما شاء الله أن نبقى في هذه الدنيا.
نسكن خيالات أحبتكم، و نتواصل مع أفئدتهم، و نزور منامات آبائهم و أمهاتهم.
نسكن أحلام من يبكون فراقهم من الإخوة و الأحبة. نطمئنهم على حالكم، و نوصل
لهم أحاديثكم و شكواكم. فإن أنتم ذهبتم إلى نعيم أدركناهم بخبركم فاستراحوا،
و إن كنتم في جحيم أبلغناهم فدعوا لكم و ناحوا. و ما نحن إلا يوم القيامة مجتمعين
في جسد واحد و ذات واحدة، نحاسب بما فعلتم، و نزر ما وزرتم. فكونوا بينا راحمين،
و بأنفسكم مترأفين.




في عالمنا هذا، لا تربطنا صلة قرابة، لا يوجد بيننا أب ولا أم، ولا أخ ولا أخت. لا نجوع
ولا نعطش، ولا نكل ولا نمل، ولا ننام ولا نتعب. نفعل ما تفعلون، و نأكل ما تأكلون. و
حينما تغمضون أعينكم نبدأ تمثيل أحلامكم، و نتواجد في فضاءات مناماتكم، فمن
يرغب بشيء بشدة مثلناه في عينيه كأنه حقيقة، و من يهاب شيئاً أرهبناه به في منامه.

يا أسيادنا، عليكم بأحلامكم! فإنها لغتنا الوحيدة التي نتحدثها معكم! و هو ترجماننا
الوحيد، فلا تغفلوا عنه، و لا تستغفروا منه.

أمام المرآة، ذلك الباب الذي يطل على عالمكم و عالمنا، لننظر في أعينكم و تنظرون في
أعيننا، و يا ليتكم تبصرون! كم من جروح نقشتموها على صدورنا و أنتم تتزينون و
تستترون بالجميل عن القبيح من خباياكم! و ما ضركم لو تصافيتم و تواددتم و
تحاببتم!

إن مشاعر الود التي تتبادلونها بينكم تحيي أنفساً عطشى في عالم انعكاسنا! و تضفي
البهجة بيننا، ففي لحظة نومك، و في ساعات اجتماعنا نلتف حول الانعكاسات المتحابة
فنمازحها بكلام عن أسيادها الأشراف و سرائرهم الطاهرة، و أخلاقياتهم النقية. فهم
ما بين خجل و حياء، و ضحك و فرح منكم و من أفعالكم الجميلة إلى لحظة استيقاظكم.

رسالة إلى أسيادنا الحاقدين، و إلى كل سيد ظالم مستأسد، طغى و تجبر على أسيادنا
الآخرين نقول:

من أنت لتطغى و تتكبر؟ فانعكاسك معنا يبكي بؤس حياته بك! و يشكو قلة حيلته
دونك! و يستسمح منا كل ليلة عنا بدر منه، و هو ليس منه! انعكاسك أشرف منك و
أجمل. فهو كغيره في عالمنا، عزيز بعزتنا كلنا، و محبوب في عالم لا يبغض فيه أحدنا
الآخر.

يا أسيادنا، لا تقتلوا أنفسكم أبداً، فأرواحنا مرتبطة بكم. و لا تباغضوا و لا تناحروا و لا
يسب بعضكم بعضاً، فإن أفعالنا ملزومة بأفعالكم، حتى و إن لم نوافقكم عليها، فنحن
بشرعية الانعكاس خاضعون و لقوانينه متبعون. استمعوا جيداً لما نقوله لكم في
أحلامكم، فهي رسائل لكم و لحياتكم!



مجرد فرضية!
أعود فأقول: لو أنها صحت، فقد يكون انعكاسي هو من أملى هذه الأحرف علي!