2013/03/02

الهدوء مزعج

الهدوء مزعج






     ما هو الإزعاج؟ و لماذا يقول البعض: "الهدوء مزعج!" و هل حقاً يمكن أن يكون الهدوء أكثر إزعاجاً من الضجيج؟ نعم.الإزعاج: هو التغير المفاجئ في وتيرة الصوت. بمعنى، لو أنك كنت في غرفة هادئة هدوء تاماً ثم اشتغلت ساعة الحائط فجأة و بدأت تسمع عقاربها فذلك سيزعجك. لأن صوت عقارب الساعة هو التغيير المفاجئ في وتيرة الصوت. إذاً، كيف نقول أن الهدوء مزعج؟ في نفس المثال و بعد ١٠ دقائق و حين تعتاد أذنك على صوت عقارب الساعة ستكون وتيرة الصوت الثابتة في خيالك هي الهدوء + صوت عقارب الساعة. لذا، لو توقفت عقارب الساعة عن العمل ستنزعج لأن وتيرة الصوت تغيرت مرة أخرى! و هذا ما يفسر حبنا للنوم تحت صوت المكيف.

نحن نحرص أن ننام في غرفة نسمع فيها صوت المكيف. نحب الهواء البارد طبعاً، و لكننا نحرص أكثر على صوت المكيف. لماذا؟ لأن صوت المكيف المرتفع يكون بمثابة العازل الذي يعزل سمعنا عن أي تغيير مفاجئ في وتيرة الصوت. فنحن مع صوت المكيف لا نعلم ما إذا اشتغلت عقارب الساعة أم توقفت. و ما إذا كان إخوتنا يتحدثون في الصالة أم لا. يكون الإنسان في قمة الراحة حيث ينعم بوتيرة صوت ثابتة، و في هذا المثال فوتيرة الصوت الثابتة هي صوت المكيف و الذي سيكون بمثابة العازل لأي تغير مفاجئ في صوت المحيط.

و من هذا المبدأ نستطيع معرفة لماذا الهدوء مزعجاً. لأننا حينما نقفل أنوار الغرفة و نسدل الستار على نوافذنا و لا نقوم بتشغيل المكيف، ترتكز كل قوى خلايانا الحسية في السمع، فالعين لا ترى شيئاً في الظلام. فنحن حينها نقوم بسماع أصوات القطط في الشارع، و حديث الجار من النافذة. حتى أننا نستطيع أيضاً سماع "طقطقة" الثلاجة و عقارب ساعة الحائط. نكون في حالة الهدوء التام أكثر عرضة للإزعاج، فأي تغيير في الصوت يمكننا ملاحظته بسهولة، لأننا لم نضع عازلاً صوتياً يمنع إدراكنا لأي تغير خفيف و مفاجئ في الصوت.

و هذا يفسر أيضاً أحد الأسئلة التي تتكرر من الآباء للأبناء عادة حينما يرفعون صوت المذياع في السيارة: كيف يمكنكم الاستمتاع بالقيادة و الراحة في السيارة وسط هذا الإزعاج؟ الحقيقة أن هذا ليس إزعاجاً. هو هدوء من نوع آخر، لأن وتيرة الصوت المرتفع ثابتة لم تتغير حتى تعودت الأذن عليها فوصلت نفسه إلى مرحلة الاستقرار و الهدوء.

أختم بتجربة أغلبنا قد مر بها و هي تجربة النوم أمام التلفاز و الصوت مرتفع. قد يكون نومك أمام التلفاز سببه متابعتك لمباراة و أنت مرهق أو مسلسلك المفضل و تركت صوت التلفاز مرتفعاً، ثم قامت أمك بإغلاق التلفاز لكي تنعم بالهدوء في نومك. و ما تلبث أنت إلا دقائق معدودة حتى تقوم من نومك. لماذا؟ لأن الصوت اختفى، و تغيرت وتيرة الصوت فجأة، فأزعجك الهدوء!

و دمتم مزعجين.