2009/05/19

شلون أضحك ؟











( ما عدت أبغي الحياة ) .. لحظة من ركام لحظات تحيط بي و تحثني سيراً إلى الانتحار هرباً من واقع أعيشه ..
اختناق عاطفي مقيت .. و احتقان لمشاعر الفرحة في أواصر التفاؤل .. سيل من الآهات يسري بين زفرتي
و شهيقي .. حزن يحتضنني بقوة .. بقوة ! و ما أنا بقارئ !

على منأى من الناس جلست وحدي أتطلع في أفق مبهم .. أترقب شمس من البشرى تشرق في سماء ملبدة
بغيوم التشاؤم .. فلا الشمس أشرقت لتنير دربي .. و لا الغيوم أمطرت على نار قلبي ..

أفتّش في أجندة العابرين عن قبس نور .. أو ابتسامة ـ لوجه الله ـ تزقزق لها عصافير الرضى و السرور ..
فلا أجد .. !
و ما زلت أبحث فلا أعود بغير سنارة صيد قد افتلّ حبلها و دلو قد انكفأ على وجهه يلهث عطشاً !

في ليلة اعتذر القمر فيها عن الظهور .. رأيت في نفسي حاجة الفقيد للنحيب .. و سكب عبرات القهر على
( كل شيء ) من دون أن يعي ( أي شيء ! ) .. يعاندني دمعي على شرفات أجفاني .. و تحرقني العبرة لوعة
و كمداً على أبواب صدري .. و نحري .. و كل كياني ! ..

أخطو إلى سجادتي و أشرع في صلاة الله أعلم بها مني .. قلب مكلوم .. و عبد مظلوم ..

الفاتحة تتلوها سورة من سور القرآن .. فركوع .. فرفع .. يليها سجدة طويلة .. و هدير من الدموع يسيل بلا
توقف على سجادة لم تعرف إلى وطأ قدمَيّ و مكان جلوسي .. نحيب لا يفهمه إلا من عاشه و خاض تجاربه ..
تشرذمت كل إرادة في البقاء صلباً عند أبواب من خضعت له الرقاب .. و ذلت لجبروته الصعاب .. و لانت
لقدرته الشدائد الصلاب .. كطفل أغرق وجهه بالدموع .. كنفس أضناها الفراق .. كعاشق للموت لم يأبه
بطعم الحياة أبكي و أون ! دعوت الله بكل شيء أعرفه .. بعامية متكسرة .. ببساطة ما كنت أقصدها .. و ما
أردت بذلك استنقاص شأن دعائي .. و لكني أريد .. و يفعل الله ما يريد !

أسحب بطانتي من على سرير .. أتوسد أرضية الغرفة و أنام .. كم يطيب النوم لعيون أرهقها الدمع حزناً !

إلى الجامعة أسير بخطى متثاقلة .. و عقل شارد .. و شعور أقل تشاؤماً من ذي قبل ..
لا أدري أكانت تلك الركعات سبباً في ذلك .. أم هدر ماء الرجولة من عيني ؟! و لكن كان يوماً أقل تعاسة ..

أخط على دفتري عناوين أفكاري بخط أعرج .. أشكال متداخلة تزين زوايا ورقتي كتداخلات فكر مترام على
حواف الأرق ! .. بخط يملأه اليأس أسطر : [ شلون أضحك ! ] و رغبة بالبكاء تدغدغني مع كل ابتسامة
أراها في وجيه الطلاب .. كم كنت استنجد بصوت لا يسمعه إلا مكلوم مثلي لحظن يلمني أو كلمة تريح قلبي ..

بابتسامة لم أفهمها سار إليّ صديقي و دعاني إلى كأس من القهوة في ذلك المقهى القريب من الجامعة ..
حقيبتي ترهق كاهلي بكتب أحتاجها و لا أحتاجها .. صديقي يمشي بجانبي بهدوء مؤلم .. كم تمنيت لو بدأ
بالثرثرة بأي موضوع دون أن ينتظر مداخلاتي أو سرد أفكاري .. و لكنه أكمل طقوس صمته بكل خشوع ..

نفس عميق يرد الروح إلي أنفث معه بقايا من حرارة ألم .. على كرسي سيارته أتمدد و أنظر إلى الأفق
أتفحص السماء كمن يبحث عن ملك الرحمة يهبط على قلبه .. و صديقي ماثل أمام المقود يقود بصمت !
كان صباحاً بلا ألوان .. بلا طعم .. و بلا معنى .. لا تفوح منه إلا رائحة التعب و الأرق و الدخان ..

عند المقهى توقفنا .. أطفأ صديقي محرك السيارة و الابتسامة تعلو محياه غير آبه بآهاتي المكتومة و تكسر
الفرحة على وجهي التعيس .. أخرج من السيارة إلى المقهى و أطلب قهوتي المرة كمرارة يومي و أقعد ..
لم أعد أحتمل السكوت و سألته : [ ليش ما تتكلم ؟! ] .. بنفس الابتسامة نظر إلي و قال : [ وضعك ما يساعد ] ..
كادت العبرة تخنقني .. لا أدري لماذا كدت أنفجر أمامه باكياً ! .. لولا توسلاتي اللامنقطعة لدمعي بعدم البوح
بمكنونات قلبي و أحاسيسي ..
أنظر خارج المقهى بعين شاردة إلى مدينة أفكاري المؤلمة .. بؤس يملأ المكان و يحيط بالأجواء .. و تضيق
نفسي به و تعتصر زقـّوماً .. أعود لأنفخ في كوب القهوة علها تبرد فأشرب منها ما يعود به ريقي المشلول ..

[ و ربي ما تسوى ! ] .. بدأ صديقي يتحدث بلا هوادة .. كأنه اختزن كل حروف يومه و كلماته لتلك اللحظة
الملعونة ! بدأ يتحدث و كلي أحاسيس تبكي .. و كلي مشاعر تنصت .. و كلي دموع آن لها الإراقة .. أخرجت
نظارتي الشمسية .. أخفيت عيناي النضاحتان بالدموع خلفها .. بدمع رقراق أستمع .. و بكلام أشبه
بالسلسبيل عذباً على قلبي يتحدث .. كان بلسماً لجراح صدري و إكسيراً لحياة لم أفهم فيها حياة ..

تجردت من كل المفاهيم حينها لأصغي لذلك البوح الصادق من صديق محب مخلص .. لم تكن الدنيا أقبح من
ذي قبل .. و لكن عيناي ما أبصرتا الضياء فيها .. و لكن قلبي لم يرد الفرحة ..

أخبرني ذلك المخلص أن الله ينزل السكينة على قلب عباده .. و لكنهم هم من يختارون بأنفسهم الشقاء و السعادة ..
باستطاعتي الخروج من بؤرة أحزاني إلى جنة من الأفكار و المعاني الجميلة .. و لكن تعلقي الأجوف بها
يملي علي البقاء أكثر و أكثر .. خوفاً من الشرود منها و نسيانها ! .. خوفاً من فقدان أسباب لا معنى لها
في واقعية الأيام !

العلاج مر .. و لكن الشفاء يستلزمه .. و المداومة عليه يزيله و لو طالت المدة .. لن تفرح حتى تصطنع
الفرحة .. و لن تترك الدموع حتى تستنزف آخر قطرة منها .. ابك كما شئت فلا بد من يوم آت بلا دموع ..
اضحك لكل شيء .. و ابتسم قدر ما استطعت .. فبالطبع يوماً ستضحك حد الدموع ! و تنسى يومك الموجوع ..

دموع تتجلى من خلف نظارتي .. و بكاء أمرّ منها في جوفي .. نحيب لا يتوقف .. و أضلع تضم قلبي بكل
قوة .. نزيف من المشاعر تقف له أصول شعري .. أحاسيس مدمرة .. و كيان يكاد يهتز هلعاً !!
لا أريد التفلّت من ماضي كان جميلاً .. أخاف من مستقبل لا يكون أجمل .. أتمنى العودة .. و لكن التمني
حرام في شريعة الأيام .. و التحقق مستحيل .. و الأمل ينقطع عند حد الواقعية ..

أسحب المنديل من تحت كوبي .. أمسح دموع مالحة تلمع على خدي .. أعتذر من صديقي للذهاب إلى دورة
المياه لأنفرد مع نفسي ببكاء أطول و أعمق ..

عدت إلى المنزل بمرارة تملأ التجاويف فيني .. خمول ينساب في عروقي .. و راحة لم أذقها منذ زمن
بعيد .. خواء ذهني جميل .. تبدلات فكرية تلهمني بالتفاؤل ..

يوم دراسي جديد .. أجمل من ذي قبل .. ألوان تكسو الحياة .. و أوجه تملؤها السعادة .. و نفس تطيب للعيش ..
راحة و سعادة فكرية .. تقشعات لغيوم الكآبة .. ابتسامة اصطنعها على محياي آملاً منها الرأفة بحالي ..
يوم .. يومان .. أسبوع و شهر .. و ها أنا الآن أضحك بكل ما أملك من أحاسيس .. لم أعد أكترث
للصغائر .. فقد علمت أن الحياة أقصر من أن أعيشها بدموع لا ترحمني .. أو أحزان لا تعز شأني !

انتقل صديقي إلى مدينة أخرى .. بعيدة عني كل البعد .. و انقطعت أخباره عني .. و لكن ذكراه لا زالت
ترتسم على ثغري المبتسم .. و وجهي البشوش .. أشكرك يا من علمتني أن الدنيا نكد .. تؤخذ بصبر و جلد !

هناك 7 تعليقات:

  1. ذكرتني بكلام الامام ابن تيمية:

    ما يفعل أعدائي بي, أنا جنتي في صدري.

    فعلا السعادة تصنعها نفوسنا و قلوبنا, نحن فقط و ليس غيرنا.

    من المهم أن يظل العقل يقظا في كل الظروف ليخاطب القلب و يناقشه عن كل تغير طاريء.

    فالقلب صديق العقل و اقرب المخلوقات اليه.

    أفلا نفتح قلوبنا لعقولنا و و عقولنا لقلوبنا و الله يسمعنا و يرانا.


    هييييه

    ردحذف
  2. بالفعل .. أثريت الموضوع بسطور ردك ..

    جزاك الله خير على مروركـ ..

    لا تحرمني من طلاتك ..

    ردحذف
  3. جعل هالحزن ما يعرف طريقه لك يارب ..
    عشت هالتمتمه بـ كل حرف | ربما كانت ع ( الجرح )

    مره أخرى ،
    يارب تسعده بكل حرف كتبه *

    ردحذف
  4. لتلك اللحظة
    الملعونة !
    انتبه لما تقول

    ردحذف
  5. والله حاليا اعيش الحزن دا واكتر كمانن جبتها ع الجرحح

    ردحذف
  6. دائما لما ازعل احب اقول ذا الدعاء اكررو كثير يخليني ابتسم و اتفائل للحياة (اللهم اني عبدك ابن عبدك ابن امتك ناصيتي بيدك ماض في حكمك عدل في قضائك اسالك بكل اسم هو لك سميت به نفسك او انزلته في كتابك او علمته احد من خلقك او ستاثرت به في علم الغيب عندك ان تجعل القران ربيع قلبي و نور صدري وجلاء حزني و ذهاب همي )

    ردحذف
  7. الله يسعدك...

    ردحذف

أشكر لك اهتمامك و تعليقك