2009/05/22

مش أي [ خانة ]








في أحد الأيام .. و أنا أقلب صفحات الانترنت باحثا عن معلومات تساعدني في إنجاز بحثي الذي قارب أن
" يطلع مع خشمي ! " .. دخل صديقي معي في محادثة " ماسنجرية " : [ كيفك يا مزة ؟! ] ..

شعور رائع حينما يقتطع وقت الدراسة شخص لا مبالي .. لا يحمل من الدنيا سوى .. لا يحمل شيئاً ! و ما
بين تسليم و سؤال عن الأحوال اعتذر عن إزعاجي قائلاً : [ تكفى .. أبيك تجلس مع اخوي و تكلمه عن
مستقبله و الوظيفة .. الولد أعرفه ذكي .. بس لعّاب ! ما ابيه يصير زيي ]
..

لحسن حظي .. فقد قررت بنفسي أن دراستي لهذا اليوم تكفي .. و أن وقت " الفلة " قد حان .. اتصلت على
أخ صديقي و اتفقنا على أن نخرج سوياً للـ " هجولة " و احتساء القهوة !

15 دقيقة كانت المدة التي استغرق فيها للوصول إلى منزلنا .. و 15 دقيقة أيضاً كان الوقت لأخذ " دش "
و اللبس و التعطر .. ـ أحمد الله ألم تخلقني أنثى ! ـ

لم تكن تلك سيارة أبداً .. فقد كانت أشبه بشقة أعزب أكل الدهر منها و شرب .. وجدت لي مكاناً أجلس فيه
بين ركام الكتب و أكوام الملابس .. لم يكن تظليل السيارة لستر العوائل فقط .. بل كان لستر الـ .. !


[ أي كوفي تبي نروح ؟! ] [ أي كوفي .. أهم شي يكون عندهم French Late ] .. كعادة الكبار كان أخو
صديقي بأخلاقه و أدبه الجم .. ابتسامته الخجولة لا تفارق محياه رغم حركتيه و دعابته المفرطة ! ..
عندما يستمع .. أشعر و كأنه يحفظ كل حرف في ذهنه .. يرسم الكلام كلوحة يستطيع رؤيتها .. فهو لا
ينظر إلى المتحدث أبداً .. و قد يسرح بعينيه يمنة و يسرة .. و لكنه ينصت إلى تفاصيل الحديث حتى يبصر
السطور التي بين السطور .. مداخلاته توحي بفهم عميق .. و إضافته تلهم المتحدث مزيداً من العطاء ..

سألته عن وضعه الدراسي موحياً له بأنه سؤال عبثي لا أنوي به الاستطراد .. فأجاب مشيحاً بوجهه عني :
[ والله حليوه ] .. بابتسامة مصطنعة سألته عن السبب فقال : [ مليت والله من الدراسة .. و بعدين ؟!
يا فراس .. انت ما شاء الله عليك دافور و تحب تدرس و فاهم وش تبي .. انا مدري وش أبي و منيب دافور ! ]


شعرت حينها بتلك المشاعر التي كانت تنتابني عند سؤال أحدهم عن أحوال دراستي .. فقد كنت أمتعض و أتشرد
آملاً الخلاص من ذلك " الطاري الغث " ! .. [ عاد ما لقيت تمل الا الحين ! ترم و تتخرج .. ما بقى الا عمر العدو ! ]

أخرجت ورقة من جيبي كنت قد كتبتها قبل خروجي معه .. بدأت أقرأها عليه :

6,757,802,098

عدد سكان العالم الحين .. تبي تكون شي في هالدنيا ؟! و الا مجرد خانه ؟! ]


سكت قليلاً كي أستطيع تناول القهوة من يده .. ثم أكملت قائلاً : [ مو المهم تنجح .. المهم انك ترسم خطة
للنجاح تمشي عليها .. الحياة قد تكون مليئة بالعقبات .. بس أغلب العقبات متواجدة في نمط تفكير الشخص
نفسه ! .. لا تقول منيب دافور .. لا تقول ما أحب أذاكر .. ط نفسك دوافع إيجابية و راح تنجح ! ..
استصغار الذات عمره ما جاب نتايج .. و ما فاز بها الا الأشخاص اللي وثقوا انهم قادرين على النجاح ]
..

نفس بسيط و التفاتة مع نافذة السيارة أكملت معها قائلاً : [ مصعب بن عمير قاد جيش العسرة و .. ]
قاطعني قائلاً : [.. عمره 18 سنة .. فراس نعرف هالشي و حفظناه .. بس هذاك اول ] ..
[ بيل قيتس بدأ فكرة ماكيروسوفت و هو في سن المراهقة .. و بدأت الشركة في أوائل العشرين .. صاحب
الفيس بوك هو شاب عشريني بفكرة وحدة صار ملياردير ! قوقل عبارة عن فكرة شابين قالوا نبي نكون
قاعدة بيانات نقدر نلقى فيها أي معلومة نبيها .. الحين شف وين وصلوا ؟! .. النجاح عمره ما سأل
كم عمرك ؟! العمر هو فقط عدد الأيام اللي عشتها بهالحياة .. و الا ياما و ياما ناس أصغر منا و أذكى !
لا تخلي حدود المدرسة تحد إبداعيتك و طموحك .. ارسم لك هدف و ذلل له كل الصعاب ]
..

ممسكاً بكوب القهوة .. لم يرتشف منه إلا رشفات معدودة .. علمت حينها أنه في مرحلة إنصات عميق ..
اتبعتها قائلاً : [ انت وش تبي تصير ؟! ] لم تطل فترة سكوته حيث قال : [ تصدق .. مدري ! بس اللي
ادري اني ما ودي اكون شخص عادي .. بس شكلي أبصير كذا ! ]
ابتسامة أخفيت خلفها ضحكة قلت معها :
[ وش أقول لك ؟! خلك متفائل .. تبي فلوس ؟! بتلقى .. تبي وظيفة بنت كلب ؟! بتلقى .. انت وش تبي ؟!
بتلقاه .. يقول رب العالمين عن الطيور تغدو خماصاً و تعود بطاناً .. تروح و هي ميتة جوع و ترجع و بطونها
مليانه .. ليه ؟! لانها توكلت على رب العالمين .. و ان اجتمعوا على ان ينفعوك بشيء لم ينفعوك الا بشيء
قد كتبه الله لك .. التوكل هو السهل الممتنع .. الكل يقدر يتوكل .. بس محد يطبق التوكل حق التطبيق ..
لما تتوكل برب العالمين راح يجيك شعور بالرضى .. شعور بالراحة .. تدري انو رب العالمين راح يحفظك ..
انو رب العالمين راح يكتب لك الأخير في حياتك .. هذا التوكل .. و التوكل ما يعني التواكل .. و الا ما كان وصى
الرسول ـ صلى الله عليه و سلم ـ الصحابي و قال : اعقلها و توكل .. الواحد لازم يبذل الأسباب ! .. شف
ما أقول لك الحين حب المدرسة .. أقول لك كمل هالترم باجتهاد و مثابرة .. موب لازم تتولد الرغبة .. هي
فترة الثانوي و راح تعدي .. و بعدها تختار التخصص اللي تحبه .. اختيار لازم يكون مبني على أسس ..
منها النظر في المواد اللي كنت تحبها أيام الدراسة .. و منها المهارات اللي تمتلكها .. و منها المخرجات
الوظيفية اللي راح تلقاها .. و هل راح تتوافق مع أهدافك العليا و الا لا ؟! ]
..
التفت إلي سائلاً : [ أهدافي العليا ؟! وشي الأهداف العليا ؟! ] ..

كان النقاش أمتع من طعم القهوة التي قررت وضعها ريثما أنتهي من حديثي : [ الأهداف العليا هي الرسالة
اللي ودك تقدمها للحياة عشان ما تكون مجرد خانة في عداد البشر .. ممكن تصير طبيب .. مهندس .. طيار ..
مدير .. لاعب .. اللي تبي .. بس بالاخير هاذي راح تكون مجرد وظيفة و مدخل رزق لك .. بس اللي راح تنقله
للعالم اللي تشوفك أو تقرا لك .. او حتى مجرد تحيط بك هي الرسالة اللي تقدمها للعالم .. يعني مثلا واحد
يبي تكون رسالته انو يكون له شخصية تصير الناس تقلده فيها .. و بعضه تكون اهدافه دينية .. و البعض
مناصب .. و البعض مادية بحته .. لما تحدد أهدافك وقتها حدد نقطة النجاح .. و تعريفه بالنسبة لك .. لأن
تعريف النجاح يختلف من شخص لشخص .. و مستحيل تلقى تعريف محدد للنجاح في أي لغة ..
النجاح عند البعض يعني الشهرة .. و البعض يشوف انو المال .. و البعض يشوف انها مجرد الراحة ..
و كلها صحيحة لانها تعاريف شخصية .. انت وش تعريفك للنجاح ؟! ]


كانت زاوية النقاش عن الدراسة في هذا اليوم تختلف تماماً عن الزوايا التي كان ينظر منها مع كل سائل
يسأله .. بدى متحمساً و متأهباً لمزيد من المعلومات .. ثم بادرني بسؤال : [ طيب و بعدين ؟! ] ..
[ ما فيه شي اسمه بعدين ! بعدين خلاص توصل لهدفك و راح تحس وقتها انو ابي هدف ثاني احققه ..
كل الكلام اللي قلته لك ما راح يفيدك اذا ما عرفت شلون تطبقه صح .. أفضل طريقة للنجاح هو الكتابة ..
اكتب كل شي تبي تسويه .. تبي تصير مليونير ؟! اكتبه على ورقة .. اكتب تحت الهدف ليه تبي تصير مليونير ؟!
مثلا تبي تشتري سيارات .. و بيت فخم .. و تسعد اهلك .. و تعيش زوجتك احلى عيشه و و و .. اكتبها كلها ..
بعدها اكتب الاشياء اللي راح تساعدك في تحقيق الهدف .. و اكتب المعوقات .. و كيف تقدر تتعداها .. نظامنا
التدريسي من اكبر المعوقات للنجاح .. و هو يتحمل جزء من المشكلة .. مثله مثل حرص الآباء الخاطئ على
انهم يخلون انباؤهم متفوقين بطريقة تشعرهم بالطفش من الدراسة .. بس حتى لو كانو بيتحملون جزء من المشكلة ..
من الشخص اللي راح ياكلها اذا ما حقق أي شي ؟! انت و محد غيرك ! بعد ما تحدد المعوقات و تعرف كيف
تتعامل معها ابدأ بوضع خطة زمنية واقعية .. تحدد فيها كل مرحلة من مراحل تحقيق الهدف .. اكتب ابي في هالسنة
أشتغل مثلا في مقهى عشان اعرف كيف تكون فيه خدمة المقهى .. و احاول اوصل اني اصير مراقب شيفت مثلا ..
عقبها ابي اصير المراقب العام .. حط اهداف و حاول توصل لها .. و هالاهداف ترتبط بالهدف الرئيسي ..
و بعدين لا جيت تتخصص حاول انك تدخل التخصص اللي يساعدك في تحقيق هالهدف نفسه .. و بهالحركة
راح تدرس شي عن رغمة .. راح تحس بنهم الدراسة .. برغبة بمعرفة المزيد .. بانك تدرس لان كتبي تدرس ..
و راح تلاحظ انو ما فيه شعور يعادل شعور تحقيق لاحدى الاهداف في الفترة الزمنية اللي انت محددها لنفسك ! ]
..

قاطعني : [ كلامك حلو مرة .. و مشجع .. بس هل هو واقعي ؟! ] [ شف .. انا ما راح اقول لك انو واقعي
و الا موب واقعي .. بس اللي اقوله انو التخطيط هو اساس كل نجاح و التجارب تشهد لكلامي .. من ضمن
الشغلات اللي تساعدك لتحقيق اهدافك هو معرفة قدراتك الحقيقية .. و كثير منا ما يعرف انو يمتلك قدرات
اكثر مما يتوقع .. أكبر قدر مستهلك من العقل يكون بنسبة 5% في الأشخاص اللي يستخدمونه بكل قوة ..
يعني الأغبياء يستخدمون نسبة أقل من كذا بكثير ! انت تدري انو كل معلومة مرت عليك في حياتك ما زال
عقلك الباطن محتفظ فيها .. بس انت ما تقدر تسترجعها .. و الا هي موجودة .. نوعية الأكل تأثر على قدرة
العقل .. و سلوكك اليومي يأثر .. استخدامك لعقلك يأثر .. كل شيء يأثر .. حتى الإيحاءات السلبية و الايجابية
تأثر ! ]


توقفنا بجانب إحدى الحاويات لنلقي بأكواب القهوة الممتلئة فيها ثم أكملت : [ أهم شي انك تحط لك هدف
تسعى له .. و تنظر للجانب الإيجابي من كل شي .. مثلا ما نجحت بمعدل عالي بالجامعة .. عادي .. أغلب
المخترعين و أصحاب المناصب ما كان معدلهم عالي .. مثلا ما نجحت في مشروع .. يقول لك كل فشل يقربك
خطوة للنجاح . ارسم هدفك و خله في كل مكان .. عند سريرك و في مكتبك و في السيارة .. اقراه دايم و قل
لنفسك دايم انك شي مهم في الحياة .. لانك ما راح تطول السما و عيونك بالأرض ]

هناك 4 تعليقات:

  1. يسلموو خيوو

    ع هالابداع

    واتمنى انك تستمر

    في كتابه المدونات

    لان عندك موهبه جميله في تنسيق الكلمات مع بعضها البعض

    ردحذف
  2. اهلا و سهلا ..

    الله يسلمك ..

    باذن الله استمر كل ما اسعفتني المواقف ..

    ردحذف
  3. تدوينة جميلة وانكانت تقف على الجرح:)
    فعلا نبحث عن القمة ونلا نبحث عن أي قمة نرغب الوصول لها ..قد تكون طموحاتنا ان نكون عدد فاعل لكننا نجهل طريق الفاعليه فنتخبط هنا وهناك الى ان نركن الى العدد وبالسالب ايضا
    تحياتي
    xo

    ردحذف
  4. اهلا اهلا زائري العزيز ..

    قد تتفق معي انو السبب في تحول الشخص الطموح الى عدد سالب في خانات الحياة يعزى الى عدم وضوح الهدف !

    ايضا يكون بسبب عدم الاخلاص .. و بالاخلاص يكون توفيق الله مصاحب ..

    قد تكون من ضمن الاسباب هو الفتور السريع .. او الوقوف عند اول حاجز يعترض الشخص ..


    طريق النجاح لم يعبد بعد ..


    شاكر لك مرورك ..

    ردحذف

أشكر لك اهتمامك و تعليقك