2009/08/09

في فانكوفر .. ٦

في ليلة الوداع. ليلة الانتقال من مسكني الأول. جلست أنا و أحمد على الدكة الخارجية للمنزل.
سماء سوداء صافية تلمع فيها بعض نجوم. و صوت حفيف الشجر مع نسمة هواء شبه باردة.
لا صرصرة و لا " وطوطه ". هدوء معه قد أسمع صوت نفسي. أقرب كوب الشاهي مني لأرتشف
منه رشفات خجولة تداعب فيه شفتي أعناق الحبق. أحمد بابتسامته المعتادة ينظر إلي و كوب
الشاهي " بتاعه " أبعد قليلاً من " سواليف " لا بد أن تطرح. ينفث الدخان الذي اكتنزه لثوان
في الهواء. أميل بجسدي قليلاً بابتسامة تعجب فيضحك. [ والله ما راح يجي الدخان بوجهك ! ]


أذكر حينما وصلت إلى مسكني الأول أديت صلاتي الظهر و العصر عكس القبلة. ساعدني أحمد
في استقبالها. عدت بعد يومين و بغباء مفرط في النكوس عن القبلة. لا أدرى أي " بلاهة "
فكرية كنت أعيش ! و لكن الله يفعل ما يريد.
قبل كل صلاة كنت، و مع العلم من وجود تقويم في جهازي، أسأل أحمد و حسين: [ الحين دخل
وقت الصلاة ؟ يعني أصلي ؟ ]
فيجيبوني بالموافقة. كانت تلك رسائل غير مباشرة تدعوهم
لنؤدي الصلاة في جماعة. لم أكن لأصارحهم لشك انتابني بأنهم ينتمون لمذهب مختلف.

[ وش جالس تفكر فيه ؟ ] قاطع فكري الشارد أحمد. [ أهلي و أخوياي ] باستعجال يثير
الشك أجبته. خضت بعده نقاشاً ودياً معه حول أضرار التدخين و أن كل " سقارة " تنقص
من عمره خمسة دقائق، فقط لتضييع السالفة.

بدأ يتحدث عن أيامه قبل البعثة. عن حياته المنقسمة ما بين القرية و المدينة. عن ماضيه مع الماشية
و كيف كان يقضي نهاره في المدرسة لا يسمن و لا يغني من جوع. حتى إذا ما قفل عائداً
إلى المزرعة وجد نفسه فيها و استكان و استراح. بدأ يصف لي رائحة الشعير و صوت الخراف
و غروب الشمس خلف الجبال. صفاوة الماء التي لا تعدلها صفواة. لبن " الخلفات " حين يملأ
به وعاءه مع حبات التمر الذي لا يحسن التفريق بين أنواعه! قصص مع الجن عاشها و قصص
سمع بها. يحلف بكل قوة أني لو كنت معه لأحببت الوضع. اكتفيت بابتسامة.

دفة الحديث لم تكن لتتوجه إلى أبداً، و ما رغبت بها. ابتسامة، همهمة، حركة رأس، و تعجب كانت
كفيلة لشحذ مخزون كلامه ليستزيد و أستزيد.
يضحك كثيراً، و بفخر، حينما يتكلم عن قبيلته و عن شيوخها. يحاول تقليد أصوات المنادي و
ينشدني بعض أشعار التسامح التي تنشد عند طلب العفو. يتذكر حين كاد له نيف من قبيلة
مجاورة و استفردوا به في مكان نائ. فلم يسعفه بعد حفظ الله و رعايته إلا معرفته الوثيقة بأحدهم
فوقف عنه مدافعاً و حصيناً.

بعض ممن يعرفني يثني على بحسن إنصاتي و تجاوبي مع المتكلم. و أكثر منهم يتضجر من كثرة
مقاطعتي ! و لكني أعلم يقيناً أن إرضاء الناس غاية لا تدرك فلا أجادل. ولكن، في تلك الليلة،
لم يقاطع، حتى الهواء، حديثه. كانت رحلة مشوقة و تقليب في صفحات ماضي شخص غريب.
و من دون أن أسألك، و في سياق حديثه عن " المضاربات "، مال إلى الحديث عن مذهبه بتشوش
متعب. لم أستطع خلال كلامه أن أستشف ماهيته. بذكاء مفرط استطاع أن يدلو بدلوه دون
أن أتمكن من استسقاء المعلومة التي أريد. بحماسة واضحة سألته [ يعني شيعي ؟ ]. بتحفظ
شديد بدأ في سرد إجابة مطولة. أتعجب كثيراً من مقدرته على الحديث طويلاً لمدة دقائق عائماً
في منطقة رمادية بين السنة و الشيعة. سكت، فهاجمت [ يعني سني ؟ ] عاد فأكمل بإجابة أطول.
عد أخذ و رد اتضح لي أنه شيعي. لم يكن عجبي أكثر منه حينما اعترف بأنه لا يختلف عن مذهب
أهل السنة في شيء ! [ طيب ليش ما تقول عن نفسك سني ؟ ] سألته بابتسامة تعجب و قد تحركت
بجسدي قليلاً إليه. ابتسم ليقول [ يعني تفرق بالتسمية ؟ ]. تحدثنا عن معنى التسمية و لماذا
يفضل أن ينسب نفسه لمذهب أهل السنة و الجماعة طالما أنه يؤمن بأحقية محمد بالرسالة و أن
الله واحد أحد، فرد صمد، لم يلد و لم يولد. سألته حينها [ طيب ليه ما صلينا جماعة ؟ ].
حقيقة، لا أذكر الإجابة.


توجهت في اليوم التالي إلى مسكني الجديد. قبل انطلاقي، قامت " المدام " بتحضير وجبة الإفطار
لنا “ hot dogs ”. كنت أتضور جوعاً، و لكن أمي تقول [ لا تاكل خنزيز ! ]. لا أدري " وش جاب طاري"
الخنزير و لكن من الباب الحيطة لم آكل. اعتذرت منها مبدياً عدم رغبتي خصوصاً بأني لا آكل
بعد النوم مباشرة. فور ذهابها أخذت تفاحة و خرجت. كان الـ TAXI في انتظاري خارجاً.
ودعت العائلة و ذهبت.

كان منزلي الجديد يبعد 45$ عن القديم. أستغرب من هذا المعهد الذي لا يتكلف بمصاريف أخطائه !
وصلت، فتحت باب الحديقة و طرقت الباب. أطل من النافذة العلوية رجل. أخبرته بأني طالب جديد.
أمرني بالتنحي عن الباب و العودة إلى الخلف ! ثم سألني عما إذا كنت أحمل معي ورقة تعريف
أو دليلاً على كلامي. كان تعامله مزعجاً جداً و لكني آثرت التغاضي. بعد تأكده طلب مني الخروج
من الحديقة و الإنتظار خارج المنزل. بشنطتي المحملة بـ " كل شيء " أجرها خلفي خارج
المنزل لأقف منتظراً شيئاً أجهله. توقفت بجانبي سيارة و إذا به نفس الرجل. طلب مني وضع
الشنطة داخل السيارة و الركوب معه. أخبرني بأنهم يمتلكون منزلين و أن سأسكن مع أخته
في الثاني. [ أي بيت منتب فيه كويس !] قلت في نفسي.

وصلنا و لم يكن في استقبالنا أحد. أيقنت حينها أن استقبال الضيوف عند آل فانكوفر ليس من
سلوم الرجاجيل و إلا لما تكرر معي الموقف. فتح الباب ليرني المنزل. فتح باباً آخر و هو يقول:
[ This is your room ] ليتفاجأ بأكوام الملابس ملقاة على سرير لم يرتّب بعد.
[ I'm so sorry. It is supposed to be cleaned ] ثم بدأ بالتحدث مع أخته بلغتهم.
ابتسم ابتسامة المخرج و طلب مني إبقاء حقيبتي في المنزل و الذهاب معه لنستقل الحافلة ليريني
كيفية الوصول إلى المدرسة. كان " مشواراً " مملاً جداً. عدنا بعده إلى غرفة تسمى نظيفة. الحمد
لله على كل حال.


بالرغم من التأكيد على المعهد بخصوص السكن مع طالب سعودي، كان جاري في الغرفة سعودي.
و أعادت الأيام نفسها ليمد لي يده بالتسليم فأرد بـ " Hello ”.
بعد أن عادت العائلة أوقظني من نومي لأتناول معهم وجبة العشاء التي تكون غالباً في الساعة
السادسة عصراً ! هي عائلة فلبينية، الرز الأبيض هو الطبق الرئيسي. غالبية أكلهم بدون ملح.
كنا نتحدث عن سبب مجيئي إلى كندا و الخلل الذي واجهني في السكن و أمور مختلفة. أكثر
كلمة ترددت في تلك الأثناء [ Eat Eat Eat Eat ]. تذكرت جدي، لا يقتنع أبداً بأي مقدار تأكل.
قناعته كلها تكمن في المدة التي تجلس فيها على " السفرة ". سألتني حينها Lawrina:

Are you afraid from catsأجبت بالنفي في حين أني لا أحبذ أن تلامسني أبداً.
أخبرتني أني سأجد وقتاً ممتعاً مع قطتها " كيتي ” التي ترقد على الكنبة المجاورة. التفت لأجد
حمار و ليس قطة ! من خلال حديثهم اكتشفت أنهم يمتلكون أربعة أنواع من الحيوانات، التي
أعرفها. قطة، أرنب، هامستر، و كلبان. عند نزولي إلى غرفتي قابلت الأرنب و يا ليتني لم أقابله !



صور مختارة



الجلسة اللي جلست مع أحمد بتالي الليل فيها.


غرفتي الجديدة نص متر في نص. =)


الحمار كيتي الله لا يرد كيتي.


أرنبهم، مدري والله وش يأكلونه غير الجزر. عجزت أصير زيه !

هناك 11 تعليقًا:

  1. :)

    جميييل جميل

    ودي أعرف ليش ما صليتو جماعه >>>ذبحها التفكير

    موفق أخوي

    ردحذف
  2. والله مدري .. سرحت يوم جاوب ..

    و صباح الخير ! =)

    ردحذف
  3. يمممممه يالقطوه
    لو اشوفها جبالي ارد ديرتي ركض

    ردحذف
  4. مقلقة عيشتي ..
    المشكله انها تعودت عليهم لذلك كل شوي تجي تبي تتحكحك فيني .. !

    ردحذف
  5. حلو نقاشك مع صديقك الشيعي :D
    مره تعرفت على وحده ايام الثانوي وكانت قريبه جداً مني على اني سبحان الله ما ارتاح لها بس هي مره معي المهم كنت استغرب اسماء اخوانها بعض تصرفاتهم اسم ديرتهم إللي ما تبي تقولي عنها وانها بالجنوب وبس على أن شكلها وطبعها لا يمت لأهل الجنوب بصله :D بعدين وبكل دلاخه قلت لها إنتي شيعه + " فيس مصدوم " قالت لي إيه خخخخ قلت لها وما تتزوجون سني << واضح إن آخر اهتماماتي وقتها افكر لو تزوجت سني خخخ قالت لي عادي انا إذا تزوجت سني بصير سنيه مثله :D خخخخ قلت لها ما تخافين اهلك يتبرون منك << ما فكرت انه اكيد اهلها بيرفضون السني خخخ ! قالت لاء عادي :D !! وطلعت ديرتها في نجران بالمناسبه :D

    وبالنسبه لكيتي ووووووووووع ليتها عندي اشغل السير الكهربائي واوقفها عليه علشان تخف خخخخ
    وانتبه من الكلاب تراها نجسه :( والله يعينك حافظ على اذكارك علشان ربي يحفظك لأن البيوت إللي فيها كلاب ما تدخلها الملائكه :( ! وانت ماشاءالله في حديقة حيوان مصغره خخخخ

    الله يحفظك :) ,, مازلت متابعه :D

    ردحذف
  6. أعتقد انو الهاله الاعلاميه لها دور كبير جداً في خلخلة صفوف المسلمين ..
    في خلق هذا البون الشاسع بين المذاهب ..

    و الا الناس مرتاحه ..
    و غالبية الشيعة مثل اهل السنه .. اللهم الاسم ..

    اما بالنسبة للسير .. و ربي ضحكت من قلب ..
    خخخخخخخخخخخ

    لا توصين حريص ما المس الكلاب و لا تلمسني ..

    من زمان كل ما نزلت جزء كنت احتري رد ابو رغد ..
    الحين احتري رده و ردك .. =)

    حياك ..

    ردحذف
  7. ههههههههههههههههههههه ضحكتني حمار مو كات. حبيت هالجزء مره بس للحين احس انك زهقان وماتأقلمت

    ردحذف
  8. ههههههههههههههههههههه ضحكتني حمار مو كات. حبيت هالجزء مره بس للحين احس انك زهقان وماتأقلمت

    ردحذف
  9. الله يوفقك ي استاذ فراس

    ردحذف
  10. الله محيي اصلك خخخخخخ ههههههههههه شكرا

    ردحذف

أشكر لك اهتمامك و تعليقك