2009/08/03

في فانكوفر .. ٤

صباح يوم الإثنين، استيقظت الساعة السادسة. توجهت إلى دورة المياه حيث وجدت ورقة توصي بتنظيف
دورة المياه بعد الإنتهاء منها. أصبحت التوصيات المماثلة أمراً مألوفاً أجده في كل مكان. فوق الغسالة
و عند باب الغرفة و حتى بجانب التلفاز. توصيات تفيد بالمحافظ على الطاقة و النظافة قدر الإمكان.
أكملت ما استلزمني من دورة المياه التي لا يقفل بابها ! يبدو أن جميع أبواب المنزل لا تقفل. أو قد تكون
في دورنا السفلي فقط.

عدت إلى غرفتي و بدأت في ترتيب ملابسي في أدراج " الدولاب ". بعد الإنتهاء اخترت لبسي الذي سأواجه
به الطلبة لأول مرة. لبست و صليت الفجر ثم بدأت في تقليب صفحات الإنترنت.

أخبرني حسين أنني سأكون في المعهد ف الوقت المحدد، الساعة الثامنة. الآن الساعة السابعة و لم يصح.
هل أقوم بإيقاظه ؟ " أبصير نشبه ! “ كما كنت أظن. هل أتركه في نومه و أتأخر عن يومي الأول ؟!
حسناً، سيقبل المسؤول بالمعهد عذري فبالطبع يواجه مثل هذه الحالات مع كل مجموعة جديدة !

الساعة السابعة و النصف كان يقف حسين على باب غرفتي [ صباح الخير يا كبتن .. مشينا ؟ ] ..
يلبس قبعة سوداء و " جاكيت " أسوداً و جنزاً آزرق و " بوت " أسوداً. بالأمس كان الجو صحواً. كانت
السماء صافية و الجو عليل و لا مكان للبرد. بعد هطول الأمطار ليلة البارحة أصبح الجو بارداً. تملأ
السماء حبيبات ماء تنعش الروح. أحضرت معي كل شيء، إلا الملابس الشتوية ! [ أخذت معك جاكيت ؟ ]
سألتني أمي و نحن في طريقنا إلى المطار.

كنت أمشي مع حسين. نخرج من حديقة المنزل إلى الشارع المواجه. ملعب كبير يقف أمامنا، يقول حسين
أنه العلامة الفارقة التي من خلالها سأتمكن من تحديد طريق العودة حينما لا يكون معي.
يمشي بخطوات واثقة على طريق سار عليه شهوراً. و أنا بعقل سارح و فكر شارد و عين تجوب المكان
و تتفحص الطرق أحاول جاهداً حفظ كل شيء حتى لا أضيع. يقولون ( أفضل طريق لمعرفة البلدة هو
أن تضيع فيها )
و لكني لا أريد أن أضيع اليوم !


[ معاك دولارين و خمسين سنت ؟ ] يسألني حسين عن أجرة الباص الذي سينقلنا. أخرجت من جيبي
“ قروشاً " و قربتها منه و سألته ببراءة: [ تكفي ؟ ]. آخرج منها ما كان " على أد المئام " و أضاف إليها
بعضاً من قروشه حتى اكتملت. في ذيل الباص جلسنا. قال لي أحمد يوماً أنه من الأفضل دائماً أن تجلس
في مؤخرة الباص لأن العجزة يجلسون في المقدمة و ستقوم لهم احتراماً مما يعني ذهاب مقعدك !

[ خذ الباص رقم ١٠٦ اركب الـ Sky Train من محطة New Westminster إلى محطة Granville،
سر بعدها ٣ إشارات إلى... ]
معلومات كثيرة كان يجب علي حفظها، لم أتوقع حينها أني أستطيع.

عند بوابة المعهد وقفت مشدوهاً ! “ زي كل مرة ". لم أكن أتوقع المعهد بهذا الشكل. مبنى كأي مبني
سكني، استأجر المعهد فيه أحد أدواره. توسع فاستأجر الدور العلوي أيضاً.دوران و غرف عادية كأي
معهد في مملكتي الحبيبة. أين الصور الجميلة المعلقة على جدران وكالة الطيران ؟ أين هي الجامعات
و المعاهد التي وعدوني بها ؟ أو تخيلتها ؟!
كان الخيال، كعادته، أجمل بكثير من واقعي.

إلى الدور الثالث توجهت بالمصعد لأجد نفسي في معهد الموسيقى ! عدت إلى المصعد متجهاً إلى الدور
الرابع. أخرجت رأسي لأتأكد من وجودي في الدور الصحيح. عدد كبير من الشباب و " الشابات " يقفون،
على ظهورهم أشناطهم. بشنطة الكتف الصغيرة اخترقت الصفوف حتى وصلت إلى مكتب السيد Tom،
الكندي من أصل اسكوتلندي. [ Excuse me, I'm a new student ] بصوت منخفض تحدثت إليه.
[ Do you see the line behind you ? Those are new too ] أجابني و عينيه لم تفارق شاشة الكمبيوتر.
بقليل من الإحراج و كثير من " الفشلة " عدت إلى نهاية الصف. حشد من الطلبة تملأ الساحة. الساحة ؟
ليست سوى المساحة التي تلتقي عليها بقية الغرف. ستة أمتار في ثلاثة كما أعتقد. جمع من الطلبة و الطالبات.
جنسيات مختلفة، ألوان متباينة، لغات تندمج مع بعضها. نسيج جميل من مناطق مختلفة التقت تحت سقف
واحد.

ثلاثة بنات يتحدثون خلفي. مراهقتان تقفان أمامي تتحدث إحداهن إلى الأخرى عن المعهد و مزاياه.
يبدو أنها إحدى الطالبات اللاتي سبقن دفعتي. كانت لغتها مكسرة. طريقة نطقها للكلام غريبة، يرجع ذلك
لكونها تعود من دولة آسيوية، شرقية.

كانت علامات الاستفهام ترتسم على محيى الجميع. [ Pay 25$ for the Bus tore ] قالتها الآنسة
“ نسيت اسمها "، الكندية من أصل هندي. دفعت كبقية الطلبة. ذهبت بعدها إلى Rocky Room.

Rocky Room هي إحدى غرف التدريس. و هي الغرفة الأكبر التي يجتمع فيها المستجدين لإجراء
المقابلات المبدئية معهم و اختيار الحصص الإضافية.

طاولة بيضاء. برميلان، إن صح التعبير، يحتويان على قهوة ساخنة من ستار بوكس. صحن من الدونات.
سكر و حليب مركز. طلاب يتوزعون في القاعة. توجهت إلى الطاولة البيضاء، أخذت نصف كوب من القهوة
و قطعة دونات " سادة " صغيرة و جلست بالقرب من السبورة. بجانبي تجلس فتاة ملامحها طفولية.
التفت على بابتسامة لما أقابلها بالمثل. لا أعلم هل تبتسم لي أم على ! مجتمع مختلف يجب توقع الأسوأ
فيه دائماً، أو كما اعتقدت.

أرى حلقات من الطلبة استطاعوا خلال دقائق معدودة تكوين حبل التعارف. أنا " الشخص الإجتماعي " كنت
في أضعف لحظاتي. لا أدري لماذا !

في الزاوية الأخرى من الغرفة يجلس طالب تبدو عليه سمات سعودية. التقت أعيننا فابتسم. ابتسمت و
تنحيت بوجهي عنه. أخشى مخالطته فنبدأ الحديث باللغة العربية. لم أستطع الاحتكاك بأحد و لم يقم أحد
بالاحتكاك بي. نعم، هو شعور رائع حينما تجلس بين الناس من دون أن يتدخل أحد بك. و لكنه وقت
المعرفة. تعرفوا !


خرجنا في الرحلة التي دفعنا الخمسة و العشرين دولاراً فيها. جلس السعودي بجانبي و سلم. رددت عليه
السلام و سكت. بدأ سائق الباص بإلقاء المعلومات السياحية بأعلى صوته، فالمايكرفون " بتاعه " متعطل.
توقفنا عند محلات نحت الخشب. ثم توجهنا إلى سوق كبير تجد فيه كل شيء. غير أني بعد ذلك اليوم لم
أجده !

كانت رحلة جميلة. تعرفت فيها على السعودي الذي كان يتحدث إلي بالعربية حتى أخبرته بضرورة
الحديث باللغة الإنجليزية حتى يتطور مستوانا. كانت العملية بالنسبة له صعبة، و لكنها أنجع.

أخذنا الجداول بعد عدوتنا المتأخرة إلى المعهد.
لم نعد إلى المنزل. تعرفت في رحلتي تلك على مجموعة من الطلبة. شاب من هولندا، و آخر من السويد،
و فتاة من دولة نسيتها. اتفقوا جميعاً على الذهاب إلى البار. و قاموا بدعوتي للالتحاق بهم.

نكمل غداً ..


صور مختارة

منظر مطل من الجهة الخلفية للسوق اللي نلقى فيه كلّش !
إحدى الصور التي توضح طبيعة فانكوفر الخضراء

هناك تعليقان (2):

  1. ماشا الله عليك ملزم تحكي انجليزي حتى مع السعودي
    أتخيل لو مكانك بنت مستحيل تصبر ما تحكي عربي!!

    الله يسهل لك

    متابعه

    ردحذف
  2. لا بد من العربي بين فترة و فترة ..
    اصبري على بقية الأجزاء .. جايك خير ! =)

    أما البنت .. يا الله وش كثر يسولفون !!

    ردحذف

أشكر لك اهتمامك و تعليقك