2009/05/26

الحياة سهلة .. = )








في صباح فارغ من المشاعر .. من الضجيج .. من كل شيء إلا التفاؤل ..
في صباح كرائحة الأزهار في حديقة منزلنا بعد ريّها .. كالقهوة تفوح عبقاً أخّاذاً في أرجاء المنزل ..
في صباح خجول مورد الخدين .. يصطبغ الندى روعة على جبين الورود و أكف الأوراق ..
صباح أبكم .. يطرب لسماعه كل قانت .. كل متفكر ..كل مخلوق زاحمت الفرحة قلبه من دونما سبب ..


في ذات الصباح .. في الحديقة على الأرجوحة جلست .. أشبع حاسة الشم عندي برائحة الزهور
التي باتت تقتحم الأجواء بكل جرأة في فيض الأسابيع الماضية .. لا أعلم أكان لتقلبات الأجواء دور في
ذلك .. أم أن انشغالي بتوافه الأمور حال دون استمتاعي بكامل الصورة !

صباح تفتح معه ذهني إلى أشياء كثيرة تمحورت في كلمة واحدة ( الحياة ) .. تلك الكلمة التي كنت قد
عقدت العزم حول معرفة مكنوناتها و التبحر في معانيها حتى أجد المفاتيح التي من خلالها تبسّط لي العيش
فيها .. خوفاً من المستقبل و من مغبة الدهر .. و لاجتراع المزيد الحكمة و الفطنة و الحذق ..

و ما زادتني تلك المعرفة إلا علماً بأن الحياة أسهل بكثير من تعقيدات رسمناها طوعاً في عقولنا .. و شكلناها
بأبشع ما تكون التشاكيل في مخيلاتنا .. لا أزعم أن الحياة جد بسيطة .. و لكني أجزم بأنها أسهل بكثير من
الصورة التي حُفرت في خلدنا ..


ما الحياة إلا ردود أفعال لأفعال سابقة قام بها بنو البشر .. افعل خيراً تحصد خيراً .. عاجلاً كان أم آجلاً ..
عامل الناس بخلق حسن .. افش السلام .. و أطعم الطعام .. امسح على رأس اليتيم .. و ساعد المسكين ..
الحياة ترابط و تكافل و عناق بين أجساد لا تقوى إلا ببعضها ..

العيب ليس في الصورة أبداً .. و إنما في العدسة التي يعلوها غبار التشاؤم و الضيق و التضجر و الانهزامية ..

الحياة هي نظرة طفل .. و ابتسامة طفل .. و بكاء طفل .. و سبات طفل ..
كما نسلب البراءة من أطفالنا .. نسلبهم حق النظرة الصادقة إلى هذا الكون الجميل .. هذه الحياة التي
نصعبها في أنظارهم اعتقاداً منا بأنها الأصلح لهم .. [ نعدّهم ليوم أسود ! ] ..

حينما أتذكر أنني سائر في كل يوم .. كل ساعة .. و كل لحظة إلى قبري .. تصغر الحياة في عيني .. أصغر
بكثير مما كانت قبل ذلك .. تتقشع صفحات الحقد الملتصقة بصدري .. و ينتابني شعور ملائكي بالمغفرة ..
راحة فردوسية تشرئب لها الأنفس .. و تسوقني إلى تقبيل جبين أمي .. و احتضان أبي .. و التصدق على
كل فقير يعترض طريقي إلى الجامعة ..

تموج السطور التفاؤلية إشراقاً عجيباً كانبلاج شمس ذلك الصبح الجميل .. حينما أتذكر أن القدر المكتوب
مكتوب ! و أني مجرد عبد يقوم بتمثيل دوره في هذه الحياة .. لا أجزع فيها و لا أسخط .. أرضى بالقليل
و أحمد الله على الكثير ..

في ذات الصباح .. و قبيل الوداع الأخير لتلك الجلسة الهادئة .. أحسست بأني شخص عظيم .. بأني شخص
مستقل بذاته .. راض عن نفسه .. كبير ببسيط تصرفاته .. ما عاد ضجيج السيارات يزعجني .. و لا ازدحام
الشوارع يضايقني .. هدوء ينساب في عروقي .. يأخذني بعيداً عما أنا فيه من مكان و زمان .. إلى بقعة
أجمل من الخيال .. كل شيء فيها قد اكتمل بإذن ربها ..

توجهت إلى غرفتي .. فتحت النافذة .. حملت حقيبتي .. أغلقت الباب .. و ذهبت ..

هناك 4 تعليقات:

  1. تعرف.. والله اني ما انلام في عشق الصباح

    واللي قريته ,, لم يزدني الا غروراً بهذا الصباح

    يضحك الناس من طبعي الصباحي البحت ,,يقولو وش هالعجوزه!! ههههه ما يهم

    اشوف في الصباح ريحه لا تتواجد الا فيها .. يمكن ما تكون ريحه افضّل اسميها عبق
    اعترف بأنك وصفتها احلى مني ,,اهنيك على الاسلوب الرائع اللي تملكه .. ما شاء الله

    ولا تستغرب ان اشترينا كتب بعض من العبيكان ولا جرير بعد كم سنه
    :)

    ردحذف
  2. الصباح جميل .. و رائحته أنقى من الوصف !

    بانتظار كتابك يا مدونتنا ..

    ردحذف
  3. من أروع ماقرأت كل كتاباتك رااااااااااااااااائعة

    ردحذف
  4. من أروع ماقرأت كل كتاباتك رااااااااااااااااائعة

    ردحذف

أشكر لك اهتمامك و تعليقك