2009/05/11

ما فيش حاقه اسمها [ لو ]






بعد أدائي لصلاة الفجر في المسجد .. عدت إلى المنزل بسكينة ربانية .. يحدوني الشوق لمزيد من الأجر ..
أخط الأرض بـ " زبيريتي " و عيناي لا تكاد تفارقان موطأ قدمي .. و لساني بين استغفار و تحميد و تهليل ..
لم تكن لحظة كغيرها من اللحظات .. كنت أشعر بقطعة من الجنة تسكن أضلعي .. تفاؤل عجيب يملأني ..
رغبة في البكاء تدفعني للانعزال عن الخلائق .. تدفعني للتبتل وحيداً في غار ناء ..
لا أعلم .. أهي تلك الآيات التي شنّف الإمام مسامعنا بها ؟! أم هي تراكمات من ماض مؤلم يأبى إلا أن يعيد
شريطه في مخيلتي بين حين و آخر ؟!


" يـآآآهـ " لو كنت أملك عصاً سحرية .. أو بيدي عقارب ساعة الأيام لأدرتها حتى أعود للماضي فأصححه !
أعود معتذراً لصديقي على سوء معاملتي له .. لأقبل رأس معلمي الذي طالما نبهني و حرص على توجيهي ..
لأحتضن كل فقيد على قلبي و أخبره أن الدنيا من بعده " و لا شي ! " ..
أعود لأرسم الماضي بريشة فنان دارس للحياة .. بريشة من لاكته مصائب الأيام .. و اعتلجته نوائب الدهر ..
حتى غزى شيب الحكمة عقله قبل أن يغزو رأسه !
أعود لأحكم قبضتي على دفة الأيام .. أسير بها على بحر الحذر إلى بر الأيام .. لأصل إلى مستقبل أكثر إشراقاً مما أنا فيه ..


نعم .. لم تكن كغيرها من اللحظات .. فقد ارتطمت بي إحدى السيارات لأهوي بطولي على قارعة الطريق ..
كنت في مرحلة ما بين الوعي و اللاوعي .. أتذكر جيداً مجموعة الأقدام المتجمعة عند
رأسي و : [ قل لا إله إلا الله .. قل لا إله إلا الله !! ] .. ثم .......


استيقظت بثيابي الملطخة بالدماء في غرفة سوداء مخيفة .. يجلس عند رأسي مخلوق لا أعرف له اسماً و لا وصفاً ..
محدقاً فيّ بصمت .. كأنه ينتظر حدوث إشارة معينة يقوم على إثرها باتباع خطوات تم ترتيبها مسبقاً .. !
تمالكت أعصابي و استجمعت قواي ثم سألته : [ أنا في الجنة ؟! ] .. ببرود مخيف و بصوته العميق أجاب نافياً ..
[ أجل في النار !! ] قلتها و الدمع يستبق الهطول من على مقلتي .. و الرهبة شلة حركة مفاصلي .. لينفي ذلك أيضاً ..
زفرة من الأعماق كادت تخرج روحي معها ـ إن لم تكن قد خرجت أساساً ـ لأعيد معها نظام أعصابي و حيوية أضلعي ..
سألته عن مكاننا فلم يكترث لسؤالي بقدر اكتراثه بالكلام الذي جهّزه مسبقاً لي :
[ كم عمرك ؟! ] .. ارتبكت قليلاً من سؤاله الذي كنت ـ و لم أزل ـ على قناعة بمعرفته للإجابة مسبقاً : [ 22 .. ليه ؟! ]
[ و ما زلت تفكر بهذه الطرقة ؟! ] .. يتحدث معي و كأني أحد الدجّالين الذين يستطيعون تخمين السرائر و استنباط الدسائس ..
[ أي طريقة ؟! ] .. [ التحسر على الماضي و تمنّي تغييره ]
[ أجل أنا في البرزخ ! ] صرخت و روحي متشبثة بمقدمة القصبة .. و شعري ستفاق رهبة من مرقده !

بـ " لقافة " النفس البشرية سعى عقلي للبحث عن أجوبة لتلك الأسئلة التي تملأ جنباته .. لأستطيع من
خلالها معرفة إحداثيات الزمان و المكان .. عاد ليكمل ما بدأه قائلاً :

" الحياة مسيرة على أقدار كتبها رب الخلائق بحكمته و عظيم تدبيره .. علمها من علمها و جهلها من جهلها ..
كل إنسان ساعٍ لما هو مكتوب له .. و لن يصيبك إلا ما كتب الله لك .. و ما أخطأك لم يكن ليصيبك ..
سر خائفاً, حذراً, متردداً إن شئت .. و إن شئت فسر واثقاً بالله .. متفائلاً بنفسك .. موكلاً أمرك لخالقك ..
فلا أنت بذاك ترد سوء القدر .. و لا بهذا تستعجل خيره .. إنما الخلق في الدنيا على قسمين .. قسم رضوا بما كتب الله لهم ..
فاختار الله لهم السعادة و الحبور .. و شرح لهم الصدور .. فهم يعيشون أجمل ما تكون المعيشة ..
و قسم سخط من القضاء و القدر فسخط الله عليه .. و أسخط عليه عباده .. فهو في ظنك لا يبصر في أموره إلى ما يسوءه "
تنهد قليلاً .. ثم نظر إلي و أكمل :

" عجيب أمر العباد فيما يختص بأقدار كتبها ربهم .. أيعتقدون أنهم أدرى من خالقهم بما هو صلاح لهم ؟!
أمن قلة الإيمان يتساءلون ؟! أم من ضعف الاتكال يتبرمون ؟! .. ما كتب الله الحزن لكم في حياتكم الدنيا إلا
لتستطعموا الفرحة من بعدها .. و ما أوجد الألم إلا لتقدروا قدر العافية .. و ما يصيب العبد من أذى إلا لتحط من خطاياه ..
حتى الشوكة يشاكها تغسل ذنوبه ! .. رؤوف .. رحيم .. حكيم .. عليم .. قدير .. أفلا تعقلون ؟! "

تمنيت " لو " عدت قليلاً لأمسح كلمة [ لو ] من قاموسي .. فقاطع أفكاري قائلاً :

" و ها أنت الآن تعود لتلك الكلمة .. قدّر الله لك ما حدث فكان .. و لولاه لم تع أنها كلمة لا تجلب إلى حسرة و تندماً ..
كم من عاقل أنهى حياته بوقوفه على الأطلال و التشبث بماض لا يحتمل التشبث .. و لو عادت به الأيام كما تمنى
لما عاش كما اعتقد .. دنياكم متكاملة بأفعال بعضكم البعض .. فلو لم تحزن لما دعت الحاجة غيرك لاحتضانك ..
و لو لم ترسب .. لما لجأت إلى ربك في جنح الليل راجياً النجاح .. و لو لم تفقد عزيزاً لم تسع جاهداً للإحسان لمن هم بين يديك الآن ..

إنما الأقدار مكتوبة .. و النحيب على ذكرى المصائب ما فتأ يصدّع جدران المستقبل حتى تبلى !
احمد الله على ما فات .. و ابتسم لما هو آت .. و أبدأ حياتك من جديد مؤمناً بأن الله أعلم بما هو خير لعباده من أنفسهم "



(رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)

هناك 3 تعليقات:

  1. [ أنا في الجنة ؟! ]
    بإذن الله .. بإذن الله

    ردحذف
  2. تعمقت ب ذي المدونة بدرجه ماتتصورها ! روح الله يجعلك بالجنة يا شيخ

    ردحذف
  3. الله عليك يافراس ، عشت بكل كياني واحساسي بتدوينتك هذه ، لا اخفيك خوفي الشديد وارتعاش قلبي وسقوط دمعتي المفاجئه عند قرائتي لـ [اجل في النار!!] .. الله يحرّم النار عننا جميع ويجعلك بالجنه انت و والديك وجميع المسلمين

    ردحذف

أشكر لك اهتمامك و تعليقك