2009/07/29

في فانكوفر .. ٢


بعد أسبوعين من " المقاضي " و " المشاوير "، من تعاقيد متطلبات الفيزا التي كان من الممكن أن تكون أيسر
بكثير، أجد نفسي على مقعد الطائرة متوجهاً إلى كندا. إلى دولة أعرف فيها [ لا أحد ! ]. كانت تجربة جديدة
لذيذة في مخليتي أكثر بكثير مما كان عليها الواقع.

صبيحة يوم سفري ذهبت، أنا و صديقي، لتناول وجبة الإفطار في " منؤشة " كوداع أخير، يعقبه لقاء. سألني
للمرة الألف عن موعد رحلتي، و من باب الدعابة أجبته: [ الساعة 0155، يعني الساعة وحدة و خمس ظهر بكرا ].
ضحك قليلاً ثم قال: [ 01 يعني الساعة وحدة بالليل ! ]، اكتشفت حينها أن موعد رحلتي بعد سويعات قليلة.
لم أكن حينها قد جهز شنطتي، و أخترت كتبي التي سآحملها معي، و بعض أوراق أخط عليها أحاسيس عابرة.
لم أكن قد هيئت نفسي للرحيل !

عدت إلى المنزل بعد وجبة الوداع، ألقيت نفسي على سريري لأفكر في: هل أنام الآن و أستيقظ العصر لإكمال
ما تبقى من حوائج ؟ أم أواصل حتى إكمالها ؟. قررت المواصلة، و أحمد الله أن فعلت ذلك. فلم أكد أنهى أشيائي
إلا و قد حان موعد الرحيل. “ توادعت " من أمي و جدتي و عمتي و عمي، و اتصلت بمن أسعفتني ذاكرتي
التائهة وقتها أن أتصل به، ثم توجهت إلى المطار بسيارة امتلأت كراسيها بأفراد العائلة.

لم يكن موظف الخطوط الهندي أفضل مني. فعندما استلم تذكرة سفري أخبرني بأن موعد رحلتي غداً. و حينما
طلبت منه التأكد إعتذر مني و شحن الأمتعة مباشرة إلى فانكوفر، بطلب مني.
على مقاعد الانتظار جلست منتظراً، أنظر إلي كثيراً و أنا أفكر: لماذا أحرص دوماً على أن أبدو دوماً في أكمل
صورة عندما أعلم بأني أذخل محيطاً جديداً ؟! هل هو خوف صحى يدفعني إلى الإستفادة من الإنطباعات
الإيجابية الأولى ؟! أم هي مجرد أفعال لا إرادية يقوم عقلي الباطن بإملائها على تفادياً من أي سخرية ممكنة ؟!
هل لهذه الحركات أي ارتباط بمدى ثقتي بنفسي ؟! أم أني " أتفلسف " مع نفسي لأشغر وقت الانتظار ؟!

بـ " جينز " كحلي لم يلبس قبل هذا اليوم، و " تي شيرت " رمادي تتوسطه حمامة أبيض من جزمتي بقليل
كنت أجلس. و على أنغام الـ " آي بود " و حب التفرس شغلت وقت انتظاري مع كوب من قهوة المقهى في
قلب المطار.

بعد قرن من الانتظار و التأخير [ امتطينا صهوة ] الطائرة و انطلقنا !
من الرياض إلى لندن، في رحلة دامت قرابة الست ساعات، عانيت الأمرين. فلأول مرة لم أستطع أن أنام
في الطائرة !، و هي سابقة تسجل في تاريخي. كان مقعدي على الممر و بجانبي يجلس شاب سعودي أسمر،
أعتقد من الشبه الظاهر أن قريباه هما اللذان جلسا أمامنا. تحاشيت الاحتكاك معه لسببين رئيسين، أولهما
أني و قبل انطلاق الرحلة عقدت العزم على أن لا أتخاطب مع أي كائن كان بغير اللغة الإنجليزية. ثانيهما، أنك
و في مثل هذه الرحلات يجب عليك أن تحتاط من كل شيء، فلست بالغب و لا الغب يخدعني.

بعد تناول وجبة الغداء، وكزني من بجانبي بلطف و قال: [ تبي علك ؟]، [ الله يكرمك ] بكل بساطة رددت عليه.
" ما أمدانا نطلع من الرياض ! "، صرخت في رأسي " و هذا انت بديت تتكلم عربي ! “.
وجبات تذهب، و عصائر تجيء، و أفلام تتوالى. و عقارب الساعة تسير بثقل عجيب !

وصلنا إلى لندن، في منطقة زمانية مختلفة و بأسئلة مختلفة، أدرجتها هنا. من مدرج الطائرة سرنا لندخل
على ساحة كبيرة مداخلها و مخارجها أكثر بكثير من أن يستوعبها عقل شاب سارح !. حاولت استرجاع
بعض ذكرياتي في هذا المطار علها تجدي نفعاً، غير أنها كانت كلها حول حديث جرى بيني و بين أخي. أو
وجبة من مطعم لم أستسغ طعامه. أو غرض تمنيت شراءه. تمنيت حينها لو انتبهت لما كان يفعله أبي. كل
هذا و أنا أسير بثقة لا تتزعزع أن الأمور " تمااام ! “. توجهت مسرعاً إلى القائمة الطويلة المذكور فيها
أسماء الخطوط العالمية، أمامها أرقام تدل على بوبات يجب علينا التوجه إليها. البوابة الفلانية، كان يجب على
السير بسرعة أكبر حتى أصل قبل الموعد خشية فوات شيء لا يجدر علي تفويته. أدخل مع البوابة. أنزل مع الدرج.
أسير في ممر أطول من خيالى المتوقف. حتى أصل إلى بوابة تخرجني من المطار. يقلني حينها " باص " إلى
بوابة أخرى. أنتقل منها إلى ساحة داخلية يتجمع فيها حشد ضخم من أوجه هائمة.

مطاعم، مقاهي، محلات أغاني، مجوهرات، ساحات جلوس، محلات ألبسة، ساعات، خمور، وكالات سياحية،
و " بقالات ". التعامل في تلك الساحة، كما أعتقد، يكون بأكثر من عملة. فمن المعلوم أن العملة البريطانية،
الباوند، هي العملة المتوقع التعامل بها. إلا أنني قمت بشراء عصير البرتقال بالعملة الكندية من دون أي استغراب.

انتظرت في مطار هيثرو متجولاً بين ساحاته أربع ساعات. أستطيع حينها أن آكل و أشبع، و أشاهد حلقة
على جهازي المحمول من مسلسل أتابعه.

على متن الطائرة المتوجة من لندن إلى فانكوفر أذكر أن آخر شيء سمعته هو تعليمات السلامة ثم ذهبت في
نوم عميق. استيقظت على رائحة الغداء. تناولت وجبتي ثم عدت في سبات أعمق. و على رائحة عصير البرتقال
صحوت من نومي مرة أخرى. بعد العصير" أوخ فيييييييش " !! كانت رحلة متعبة بعض الشيء، و لكنها كانت العتبة الأخيرة التي أوصلتني إلى فانكوفر.



صور مختارة



صورة للطيران الأمريكي من مطار هيثرو، لندن.


مطار هيثرو، صالة الإنتظار في أحد مبانيها.


مطار فانكوفر لحظة وصولي.

هناك 8 تعليقات:

  1. لولوه

    موفق اخوي برحلتك وعؤبالي ( اسافر عشان اللغه )
    .. يا ليت الوضع يكون سهل نفس الشباب خفاف من غير محرم وحوسه .. بس الحمدلله على كل حال :)

    ردحذف
  2. الحمد لله عالسلامة فراس لا تعبتـ !

    :d

    ردحذف
  3. انتظر الباقي بشووق

    << متحمسه ^_^

    ردحذف
  4. الحمد لله على السلامة .. السفر قطعة من عذاب .. فالمعاناة لابد منها .. ولكن .. إذا كانت المعاناة لم تتجاوز الجسد وتخترق الروح والفكر فتظل هذه المعاناة قابلة للنسيان والتجاوز دون تأثيرات سلبية .. ونحن عندما نفقد المعانة الجسدية فإننا بالتالي نفقد البذل ونفقد التحصيل .. فمن سنن الحياة .. لكي تحصل على شيء لابد أن تدفع شيئاً آخر .. هذه سنة الحياة وهكذا خُلقت .. ونحن نغفل كثيرا عن هذه السنن لذلك تكون تطبيقاتنا يشوبها القصور والخطأ .
    ومن الحكمة أن لا تسري آلام الجسد ومعاناته إلى الروح والفكر .. إذ بذلك ندمر قدرتنا على الإبداع والإنتاج .. فالنتاج الفكري لا يتأتى إلا في حالة سكون واستقرار ذهني .. نعم، قد يصاحبه جهد ولكن لا يصاحبه معاناة .
    والفرق بين الجهد والمعاناة في ظني .. أن الجهد هو عمل الفكر فهو حركة داخلية يقوم بها الفكر .. أما المعاناة فهي أمر خارج عن الفكر يدخل عنوة إلى الفكر فيشوش التفكير ويمنعه من إنتاج الأفكار وتوالد الخواطر .. وهنا يكون البحث ..هل نحن نجهد أذهاننا أم نجعل أذهاننا تعيش المعاناة وتكون سجينة الظرف واللحظة؟
    اللحظات الجميلة الرائعة هي لحظات النحت الفكري والغور في أعماق الأشياء استنتاجاً واستنباطاً وبناءا وتطويراً .. وعندما تكون أفكارنا في حالة انبهار دائم فإنها لا تستطيع أن تعالج أو تفحص ما يَردُ إليها من مُدخلات .. الفكر المتميز لابد أن يتحرر من سيطرة الانطباعات والمشاهدات الحسية وينطلق إلى المعاني التجريدية .. فالوقوف عند المحسوسات دون تجاوز إلى ما بعدها هو علامة على سيطرة الحس على الفكر .. وهنا يكون جهد الفكر .. البحث عن المعاني المختبئة خلف ستار المشاهدات !!
    ونتيجة انغلاق الفكر في المحسوس نظل نفقد كثيراً من الأفكار الرائعة .. ونبتعد عن الإبداع الذاتي.. وتظل متعتنا متقوقعة على وجود هذا المحسوس الخارجي .. وهنا يكون جهد الفكر .. البحث عن المتعة في المعاني .. وقبلها نتساءل وهل في المعاني متعة ولذة؟
    لكل شيء في هذه الحياة ألمه ومتعته .. ولكل فرد طريقته ومهارته في نيل المتعة وطرد الألم .. فللعقل والفكر مساحة كبيرة في نيل المتعة والألم .. فلك أن تتوهم الألم فستشعر بالألم .. ولك أن تتوهم السعادة فستشعر بالسعادة .. وهنا يكون جهد الفكر .. البحث عن المتعة الحقيقية دون الوهم .. وقبلها نتساءل وهل في الوهم متعة ولذة؟
    النفس كائن عجيب لا يمكن بحال إدراك غورها .. ويظل المرء يحتار في معرفة كنهها وطبيعتها .. ولكنه لن يحتار في التمييز بين ما تتوهمه النفس وبين ما تشعر به وتعيشه .. وقد يلتبس على بعضنا التفريق بين الحقيقة وبين التوهم .. وإن كان الوهم جميلاً فقد يكذب المرء على نفسه حتى يصدق هذا الوهم ويجعله في مقام الحقيقة .. وهنا يسلك الوهم مسلك الحقيقة فيشعر بالألم الزائف والمتعة الكاذبة .. فالوهم لا يوجد إلا في الذهن ولكن قدرة الإنسان على جعله حقيقة تظهر تميز هذا الكائن وأعجوبة تكوينه .
    هذا حديث أسرده.. ولست أدري لماذا أكتبه ! .. هي نفثات نفس وخطرات فكر قد تدرك الحقيقية وقد تقصر عن ذلك .. ولكن كم هو رائع أن نمنح أنفسنا فرصة للتأمل وإدراك المعاني فهذه حقيقة صادقة .. ولك مني كل التقدير والاحترام .. أبو رغد

    ردحذف
  5. لولوه ..

    أمس كنت بالباص ..
    كانت راكبه معنا وحده سعوديه في " الطعش " من عمرها ..
    متحجبه .. و لابسه فنيله طويله لنص فخوذها .. و جنز ..

    من جد محترمه .. جدا محترمه ربي يحفظها ..
    هالاسبوع شفت حدود الثمان بنات .. بحجابهن .. ربي يحفظهن ..

    انا اشوف انو البنت تطلع تدرس بس يكون معها اخوها ..
    عشان تقدر تفلها صح ! =)

    ردحذف
  6. noaa

    و لا ندمتي ..
    الله يسلمك ..

    ردحذف
  7. غير معرف ..

    حياك اختي ..
    قريب ينزل الجزء الرابع ..

    ردحذف
  8. أبو رغد ..

    ها انت تعود إلينا بباقة أعبق عبيرا ..
    عطرها فاح .. و صدى حروفك لها وقع في الضمير و التفكير ..

    فصلك بين الخيال و الواقع ..
    بين الوهم و الحقيقة ..
    بين الفكر و الحس ..

    ما هو إلا درجة أرقى من تفكير الشخص الطبيعي ..

    التغلغل في ذوات الأشياء .. هي بداية الابداع ..

    في تفاصيل الجمال .. نجد العناصر الجميلة التي كونتها ..
    كذلك مع كل ما في الكون ..

    حديثك عن المتعة و الألم الزائف له تدوينة خاصة تقلب على نيران فكري منذ زمن ..
    و سترى النور بإذن الله قريباً ..

    كلامك .. تعليقك .. يوسع آفاقاً لدي تعينني على تركيز خط القلم على مواضع سردتها سرداً ..

    دمت متابعاً ..
    شاكر لك يا عم ..

    ردحذف

أشكر لك اهتمامك و تعليقك