2010/02/14

مصر ( أم الدنيا ) ـ ١

يوم الجمعة الموافق لـ ٢٠١٠/٢/١٢ م


في إجازة الأسبوع وقع اختيارنا لزيارة مصر " أم الدنيا " و التي كانت ضمن قائمة البلدان التي
أتمنى زيارتها، و هي قائمة تطول قليلاً تتضمنها إيطالياً و لبنان و الكويت و غيرها من الدول العربية
و الخليجية و العالمية. حلقنا وجيهنا و كشخنا و تصورنا ثم جددنا جوازاتنا، و من حينها و أنا
أحسب الأيام الباقية للقيا مصر، و صورة تشكلت في ذهني عنها و عن أهلها و نمط العيش فيها.
تمنيت زيارة مصر لأعيش وسط أحياءها الشعبية أتحدث بلهجة خليجية و يتحدثون معي بلهجتهم
المصرية، آكل فيها الشلتوت ( الفطير ) و الطعمية و الكشري و أشرب عصير قصب السكر و أجلس
على الحصير و أتمشى في الريف و أتعرف على الصعيد و طباع أهل الصعيد، و أنظر إلى الحاجة
التي تدفع أهلها لاستلطاف السياح لاستنفاد أموالهم و استحلاب كل ما تجود به " جيوبهم " !.
كان أصدقائي ما بين مؤيد للسفر إلى مصر و معارض؛ أما المؤيدون فكانوا يمتدحون لي نفسية
الشعب المصري الظريف، و أنهم بالرغم من طغيان صفة " الشحاتة " لديهم إلا أنهم أولاً و آخراً "
شعب نكته "
. الذين زاروها و أحبوها أحبوا فيها مناطقها التراثية الأثرية، و اختلاف الثقافات
باختلاف الأماكن المزارة، فهي تحوي كماً هائلاً من المزيج الثقافي الذي يرجع إلى أصلك و حالتك
الاجتماعية و طبقتك في المجتمع و موقعك الجغرافي و ارتباطاتك و معارفك. أما من عارض فكرة
مصر فقد كانوا و بكل بساطة يصفون الشعب المصري بـ ( الشعب اللحوح ) و الذي " يزن " على
رأسك حتى يخرج منك بجنيه أو جنيهين. من وجهة نظري لم تكن تلك السلبية كافية لأن أقنع أهلي
بالعدول عن فكرة زيارة مصر.

في صبيحة يوم الجمعة في الساعة الثالثة و النصف صباحاً كان موعد إقلاع الرحلة، و الجدير
بالذكر أنه دائماً عندما نود السفر إلى أي بلد ـ عربي كان أم غربي ـ فإن الوالد يقوم بإعطائنا موعداً
ضبابياً للرحلة، و عادة ما يكون هذا الموعد قبل الموعد الحقيقي بثلاث ساعات على الأقل. ففي رحلتنا
إلى مصر أخبرنا بأن الرحلة ستكون يوم الخميس، متى ؟ لا ندري ! لذلك قمت بإلغاء موعد الإفطار
مع أصحابي خشية أن تفوتني الرحلة، و التي كانت في حقيقة الأمر بعد موعد الإفطار بثمانية عشرة
ساعة. هذه الآلية في تحديد مواعيد الإنطلاقة تصلح لنوع من الناس، آخرون لا تصلح معهم إطلاقاً
و أنا منهم. و مع ذلك، تأخرنا عن موعد الخروج من المنزل كما توقعت.

على متن الطائرة جلست و على يميني أختي و أخي الصغير، و الممر عن يساري يفصل بيني و بين
أخي الكبير و أختي. كنت أحب الجلوس بمحاذاة النافذة، و لكني أصبحت أفضل الجلوس بين
إخوتي، لا أدري حقيقة لماذا، قد يكون شعوراً بالمسؤولية أو نوع من أنوع الإيثار لمن يصغرني في
العمر بأن يتمتعوا بخوض تجربة جديدة و ذلك في أن يروا حدود بلدتهم تتضاءل أمام أعينهم حتى
تختفي، أكانوا يشعرون بتلك الحرقة على فراقها مثلي أم لا؟ لا أدري.

أحضرت معي في حقيبتي التي حملتها على ظهري عدة كتب و دفتر و أقلام و حلويات، دائما ما
تفيض قريحتي علي بمزيج من المشاعر على متن الطائرة، فلكم كان على متنها من حبيب ساقه
الشوق إلى حبيبته، و من شاب دعاه طلب العلم إلى الابتعاد عن أهله و أحبابه ليكمل مسيرة نجاحه
بعيداً عن عنهم، و مظلوم طلب العدل في بلد غير بلده، و مريض ينشد العلاج في أيدي من لا يملكون
إلا أسباب العلاج. تكاسلت عن إخراج دفتري و توثيق فيض المشاعر التي اجتاحتني في الدقائق
الأولى لانطلاقة الطائرة، أغمضت عيني محاولاً النوم فلم استطع!

أخرجت من حقيبتي TWIX و وضعته داخل جيب المقعد دون علم أختي الصغيرة بذلك، و بعد
دقائق ـ مع مراعاة أن تكون أختي منتبهة لما أفعل ـ أدخلت يدي داخل الجيب و تظاهرت بالتفاجؤ
حينما وجدت الـ تويكس !! و أختي الصغيرة أشد تفاجؤ مني ! ثم أدخلت يدها في جيب المقعد معتقدة
بأنها هدية وضعت من قبل شركة الطيران لجميع الركاب، و حينما لم تجد في جيب مقعدها شيئاً
قالت: [ خلّها، ما يجوز حقت الناس ! ] فتحت التويكس و أنا أسألها إذا كانت تريد الأصبع الآخر
منه أو لا، و هي تتمنع ورعاً. ثم مددت بالأصبع الآخر لأخي الصغير الذي لم يمانع أبداً في أخذه "
و لا ورع و لا هم يحزنون "
. و حينما شارفت على التهام القطعة الأخيرة منه مددتها إلى فمها و
أكلتها و هي تضحك خجلاً من تخليها عن ورعها المزعوم ! ضحكت و قلت لها أني أخرجتها من
شنطتي و أنها " شاطرة " لحكمة تصرفها. نامت الطائرة، أقصد من في الطائرة، و لم يبق إلى
أخي الكبير و أنا و بعض المتهامسين و صراخ طفلة على يميننا أزعجت رومانسية اللحظة ! كنت
أقرأ في كتابي و أخي يقرأ في كتابه و في كل لحظة أنقل له تعليقي على ما قرأت أو ما يجول في
خاطري. بعد ذلك تناولنا وجبة الإفطار ثم ارتحنا قليلاً حتى الوصول.

كان مطار القاهرة بالنسبة لي مفاجئة كبيرة! فهو يمثل تطوراً لم أتوقعه في العمران. فهو أجمل
بكثير من مطار الملك خالد بالرياض، و يشابه في تصميمه تصاميم المطارات الخارجية و في
تخطيطه. لم تكن حركة السير في الجوازات بطيئة و لا سريعة. و لأنني كنت شديد الحماسة لزيارة
مصر قمت بالبحث عن الأماكن السياحية فيها و طبعت عدة أوراق للأماكن التي ينصح بزيارتها مع
عدد من النصائح التي يستحسن اتباعها في مصر، من ضمن تلك النصائح ألا تعطي أحداً مبلغ
استلطاف أو خدمة. و بسبب انشغالي في تجهيز شنطتي لم أقرأ تلك الأوراق. لذلك حينما كان هناك
مسؤول يشرف على " العفش " جاء و تأكد من من مطابقة أرقام الأمتعة ثم قال لي : [ ما تديني
ورأة أمشي حالي فيها ]
فأشرت عليه أن يتوجه بطلب أبي الذي استغرب مني كوني أنا من طبعت
تلك الأوراق !.

استقبلنا السائق الذي تعاقد معه الوالد ليكون مرشداً سياحياً لنا و مسؤولاً عن تنقلاتنا في سيارته
الهونداي فان. سألناه عن اسمه فقال: [ محمد إن شاء الله ] ! كادت الفرحة أن تقتلني، فالآن
أشعر أني أعيش في إحدى الأفلام المصرية، ينقصنا مشرف الإضاءة و المصورون و المخرج. في
طريقنا إلى الفندق كانت مصر أكثر تحضراً مما توقعت. و بطبيعة الحال، لا بد أن تكون كذلك لأنها
الطريق إلى أرقى الأحياء فيها. و لو علم المصريون بحقيقة حبي لبلدتهم لوضع المطار في قلب الريف
بين الحقول و المزارع و الأبقار و الجبن الطازج و الألبان و الشعير و الصحن الكبير و الفول و
البشرة التي حرقتها الشمس و الابتسامة التي لا تعرف معنى للتصنع و صوت العصافير و حداء
المآذن و حبل الغسيل و ألواح الخبز المحمول و أكواب الشاي الأسواد و لهجة الصعيد و بساطة
العيش و طيبة النفوس و التمام القلوب.

في فندق الانتركونتينيتال سيتي ستار انتظرنا في البهو حتى يتم الانتهاء من تجهيز جناحنا. و
بسبب التأخير قاموا بإعطائنا غرفة مؤقتة نرتاح فيها حتى يجهز الجناح. توجهنا إليها بين المسابح
الملتوية كالأفاعي و صالات الرياضة عن يميننا و الشاليهات عن يسارنا. و التصميم الأمريكي للفندق
و اللمسات المصرية الجلية عليه. صلينا الفجر ثم نام الجميع و خرجت أنا لزيارة المركز التجاري
المجاور للفندق، ستارز سنتر. يتكون هذا المركز التجاري من ٧ طوابق كما حسبتها أنا. و هو كبير
جداً إلى درجة أنك تحتاج إلى من يرشدك لطريق العودة للفندق مرة أخرى، تجد فيه كل شيء، من
مطاعم و محلات و صالات سينما و أسواق و غيرها.

أكثر ما شد انتباهي هو العمالة المصرية في البلد. فبسبب الحاجة و قلة مصادر الدخل و نظام
الاقتصاد في البلدة توجب على أهلها العمل في كل مجال يمكنهم العمل فيه، فكانت العمالة المصرية
في ذلك المركز التجاري و في الفندق أيضاً تشكل ٩٩٪. كان شعوراً جميلاً أن يقوم أبناء البلد
بالعمل على خدمته. كم أتمنى أن تصبح المملكة يوماً هكذا بعيدة كل البعد عن دوافع الحاجة و قريبة
كل القرب عن حب الوطن و المشاركة في بنائه و خدمته. علماً بأن الطريقة هذه هي إحدى أسباب
النشاط الاقتصادي في دول متعددة و ارتفاع مسنوب دخلها و سبباً في التقليل من الأموال الخارجة إلى
الدول المختلفة و هي إحدى الطرق التي نهضت بها اليابان و غيرها.

لم يكن الشعب المصري " نكته " بالدرجة التي أتوقعها! في السعودية هناك من هو " أنكت " منهم!
تجولت في المركز التجاري و شريت لي فطور حيث كانت أسعارهم أغلى بقليل من أسعارنا. بطبيعة
الحال لكونه محلاً داخل أضخم مركز تجاري في القاهري و مستقطباً للسياح فلا بد من اختلاف
الأسعار. عدت بعدها إلى جناحنا بعد تجهيزه، صلينا الظهر و العصر ثم نمنا.

على أذان المغرب استيقضنا و أدينا صلاتي المغرب و العشاء ثم توجهنا إلى خان الخليلي، حيث
قصدنا قهوة الفيشاوي التي ما برح الوالد يقلل من عظمتها في نفسي و يخبرني بأنها ليست كما
أتوقع! و في كل مرة أخبره بأني قد شاهدتها على جوال ابن عمي صوراً و مقاطع فيديوية. و حينما
وصلنا مررنا بجانب مسجد الحسين و الذي يقال أن رأس الحسين فيه و مسجد الأزهر القريب منه و
هي منطقة الحسين في وسط القاهرة و من أمامه ساحة المقاهي و التي يوجد فيها قهوة الفيشاوي و
مقهى نجيب محفوظ و غيره. عند وقوفنا أمام قهوة الفيشاوي التفت علي أبي و قال: [ ما توقعتها زي
كذا، صح ؟ ]
فقلت له: [ شفتها قبل بجوال ولد عمي ! الا توقعتها كذا ] فاستغرب و كأني أخبره
للمرة الأولى أني رأيتها من قبل. جلسنا حول طاولة من الطراز المصري تناولنا فيها الشاي و الحب
المصري، و بعض أنواع العصائر التي لم تعجبنا. كانت جلسة جميلة و غالية جداً في نفس الوقت!

عدنا بعد ذلك إلى الفندق، و ذهبت مع أخواني إلى المركز التجاري حيث حضرنا أحد الأفلام في
صالة السينما ثم نمنا. و بذلك انتهى يومنا الأول في القاهرة.


صور منتقاة


في مطار الرياض

مطار القاهرة

إحدى الممرات في المطار

أختي الصغيرة تنتظر

صورة أخرى للمطار في ممر الأمتعة

المطار من الخارج، للمعلومية لم يتم سنة على إنشائه و لم ينتهوا منه بعد

القاهرة في الصباح

السواق محمد إن شاء الله !

ستارز سينتر المحاذي للفندق

الأمتعة أمام الفندق

صورة لبهو الفندق

لقطة شاعرية

لقطة مش شاعرية

ستارز سنتر من الداخل، و يلاحظ كبر حجمه

تشيليز الذي تناولنا فيه وجبة عشاء يومنا الأول

مسجد الحسين في منطقة الحسين

إحدى الأزقة داخل السوق الشعبي في منطقة الحسين

محدثكم

قهوة الشيخ شعبان، تأسست عام ١٩١٩ م

قهوة الفيشاوي و التي كانت قهوة الأدباء قديماً

مدري مجملها الحنا و الا هي زادته حلا ؟!

جلسة قهوة قبل الفيلم مع أخواني الساعة ١١ و نص مساء

هناك 9 تعليقات:

  1. صباحك مصر يا قمر

    الف الحمد لله عالسلامه ويبدو لي انك مستمتع جدا جدا بالرحله

    يسعدني كثيرا انها جمعتكم كلكم كافراد اسره
    وما في شك انني كنت من المجموعه المعارضه لاختيار مصر
    (=

    لكن عموما هي من البلدان اللي لازم تزورها مره في حياتك لانك راح تشوف فيها اشياء ما راح تشوفها في مكان في العالم

    لكن المشكله ان السياحه في العالم العربي غير مشجعه جدا

    بس تبي الصراحه .. لما شفت المطار حسيت ان مصر تغيرت .. انا اخر مره رحت مصر فيها كانت قبل عشر سنوات

    اعجبتني كثيرا كثيرا الصور ومره تنرفزت من حركتك مع جمجمه بالتويكس

    يعني انت جالس تقولها اللي يصيرون نزيهين ياكلون قطعه صغييييييره .. واللي ذمتهم واسعه زي الاخ اللطيف معاذ ياكلون اصبع كامل

    (=

    يا حليلهم ..

    انا متأكد انكم راح تستمتعون بمزايا كثيره في مصر ولما ترجعون بالسلامه .. ذيك الساعه توريني البوم الصور بالكامل

    بعيدا عن صور المطار وسير الشناط والحركات ذي

    ل60

    استمتع للاخير يا صديقي وسفرا سعيدا وعودا حميدا

    ردحذف
  2. اهلن اخوي فراآس
    مصر اختيار حلو بس لو تطول المده عن اسبوعين بتطفش يكفيها اسبوع وشوي
    رحنالها قبل 3 سنوات قعدنا فيها شهر انواع الطفش انا ماانكر اهلها وسيعين صدر وفله بس ناقصها اشياء ماادري وش هي
    لكن گكل مصر حلوه
    رحله سعيده وموفقه

    ردحذف
  3. رحله موفقه

    ردحذف
  4. رائع اتمنى زياره مصر قريبا

    ردحذف
  5. انا احب الشعب المصري وبدون شك اني ودي ازورها بس اهلي لو ايش مايروحون لمصر معرف ليه!

    ردحذف
  6. انا احب الشعب المصري وبدون شك اني ودي ازورها بس اهلي لو ايش مايروحون لمصر معرف ليه!

    ردحذف
  7. حبيت الصورة المش شاعريه

    ردحذف
  8. حبيت الصورة المش شاعريه

    ردحذف

أشكر لك اهتمامك و تعليقك