2010/11/24

اختيارات

تصوير : F ® u i t y




الحياة ليست لعبة كما يقولون. نحن لم نخرج من بطون أمهاتنا و في أيدينا كتيب إرشادات
لهذه الحياة، و لكننا نعلم أن الحياة لم تنشأ بمحض الصدفة، و أننا فيها ما بين التسيير و
التخيير، فمنا من ينجح و منا من يفشل، و منا من يسعد و منا من يشقى، و منا من
يعجز و منا من يثابر، و ما نحن إلا إلى ما كتب لنا سائرون. و لكن، لا نزال نملك
حق الاختيار !


الحياة مبنية على الاختيارات، ففي كل منعطف نواجه خيارين : خيار البتّ، و خيار الإعراض.
و كل خيار يفضي إلى خيارات أخرى. إن حياة كل واحد منا مبنية على خياراته التي أختارها
ـ أو اختيرت له ـ في الماضي، فمن نجح في حياته فإن نجاحه مبني على اختياراته بعد
توفيق الله و فضله و حكمته، و من فشل فذلك يعود لخياراته أيضاً لحكمة أرادها الله.

إنك لو خيرت بين وظيفتين، وظيفة تتطلب منك العمل أربع ساعات يومياً براتب مقبول،
و بين وظيفة تتطلب منك العمل ثمان ساعات براتب أفضل، لاخترت الأفضل من وجهة
نظرك و بالنظر إلى ظروفك التي تحكمك و تحيط بك، بعد مفاضلتهما في عقلك و موازنتهما
بينك و بين نفسك. لكن قرارك هذا ـ لعلمك ـ يغلق أمامك أبواباً ما كانت لتفتح إلا
باختيارك الخيار الثاني، و يفتح لك أبواباً كانت ستغلق باختيارك الخيار الثاني، أيضاً.



و هكذا نحن نسير إلى خيارات تتبعها خيارات. إلى حين أن نصل إلى مرحلة نتوقف فيها
عن الاختيار، لنأخذ نفساً عميقاً و نلتفت إلى الوراء، لنشاهد كمّ القرارات التي اتخذناها،
و نتعجب من بعض الخيارات، ثم نعود بناظرينا إلى مواضع أقدامنا فنتساءل : هل نحن
سعداء بتلك القرارات التي اتخذت؟ و هل نحن راضون عما وصلنا إليه؟


البعض منا يدرك خطأ بعض قراراته و لكنه يستثقل العودة إليها لينتقل إلى بديلها، فمسافة
العودة لها ـ في نظره ـ أبعد و أغلى من الرضى بها و التعايش معها، و الوقت الذي
تتطلبه هذه العودة يمكن قضاؤه في قرارات لاحقة صحيحة تخفي فداحة أخطائه
السابقة. البعض الآخر يختار العودة لأنه يؤمن بأنه لو سار دون العودة إلى تلك القرارات
الخاطئة لانتهى به الأمر إلى نتائج لا ترضيه، و لعلقت في ذهنه صورة تلك القرارات حتى
مماته، فهو يعود إليها ليصححها و يختار بديلها و ينجح في ذلك، و لكنه في ذات الوقت يخسر
المسافة التي قطعها غيره في الوقت الذي كان يعود فيه لتلك القرارات. و آخرون لا يتوقفون
أبداً، بل هم مع الزمن في سباق، لا الزمن يسبقهم و لا هم بسابقيه، فالمنعطفات في أعينهم
لعبة حظ، إن أخطأوا اليوم أصابوا غداً، و إن أصابوا اليوم ما ضرهم خطأ الغد. فتجدهم
متذبذبين ما بين النجاح و الفشل.

يقولون أن كل خيار تختاره له قيمة، قيمة هذا الخيار هو أعظم خيار بديل تستغني عنه. فلو
افترضنا أنك اشتريت قهوة بعشرة ريالات فانك هنا اخترت شرب القهوة و كانت قيمة هذا
الخيار هي العشرة ريالات التي دفعتها. كذلك الطالب الذي اعتاد الحصول على ٩٠٪ في
اختباراته بمعدل ثلاث ساعات دراسية يومياً، فإذا قرر زيادة ساعة يومياً لتصبح أربع ساعات
فإن قيمة هذا الخيار هو حرمانه من ساعة راحة، أو ساعة جلوس مع أصحابه، أياً كانت في
نظره أهم و أغلى، و لكنه بذلك يحرز ٩٥٪ في اختباره، فمكسب اختياره ذلك هو الـ ٥٪
الإضافية.

إن الحياة كلها تسير وفق اختيارتنا اليومية، بسيطة كانت أم عظيمة، فعامل النظافة لم يختر
تنظيف الشوارع لأنه يريد لنا العيش في بيئة نظيفة، و لكنه يطلب قوت عيشه، كذلك عامل
توصيل الطعام لم يختر وظيفته ليسهل علينا مشقة الذهاب إلى المطعم، فهو ينتظر راتبه آخر
الشهر. انهم باختياراتهم تلك يتنحون عن خيارات أخرى ـ كالجلوس مع من أحبو أو الراحة ـ
من أجل مصلحة أعلى تبدو لهم.


إن تعليق الفشل على شماعة الحظ مهارة يجيدها المتقاعسون الخاملون، فمن أخطأ مرة بإمكانه
المحاولة ألف مرة ليخترع لنا الكهرباء أو ليفجر لنا من عقله ينبوع ماء. لا ينبغي لمن أراد حظوة
من هذه الدنيا الوقوف حسرة على كل نكسة في حياته، إنما هي وقفات اعتبار و عظة، فالحياة
كما قالوا هي المدرسة الوحيدة التي تختبرك قبل أن تعطيك الدروس.

قبل اختيارك فكر،
و في أثنائه لاحظ،
و بعده راجع و تفكر و تذكر.
ثم انطلق لما هو بعده حتى تصل و تنجح ـ بإذن الله ـ !

هناك 26 تعليقًا:

  1. السلام عليكم

    انا على اعتاب التخرج .. وأمامي خيارات عديدة ولها سلبيات وأخرى إيجابيات وتعبت من كثر التفكير ولم أصل لحل حتى الان.

    ردحذف
  2. و عليكم السلام

    استخر و استشر
    الله يعينك و ييسر لك اللي فيه الخير

    بالتوفيق

    ردحذف
  3. السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

    اصبت في هذي التدوينه وفعلا الاختيار يلعب دور كبير في حياتنا وعليه تسير.
    بس الاصعب هو الاختيار نختار وكلنا خوف من الفشل
    قد نندم وقد نسعد!!!
    ولكن الحياه ماتمشي على كيفنا وعلى اختيارتنا فيه امور يختارها الزمن لك وتعيشها مجبر X_Xوالحظ يلعب دوره باحتراف
    فلا تقلل منه لايوقف ضدك XD

    استمر يافراس وبالتوفيق ياارب :)

    *وتمنيت فعلا لو كانت الحياه كلها امور من اختياراتنا لكانت اسهل ^^

    ردحذف
  4. الله يوفقك يا فراس في كل اموورك والله يكثر من امثالك لانك من خيره الناس

    ردحذف
  5. قم يا صريع الوهم واسأل بالنهى
    مـا قـيمة الإنـسان مـا يعليه

    واسـمع تـحدّثك الـحياة فإنّها
    أسـتـاذة الـتـأديب و الـتّفقيه

    وانـصب فـمدرسة الحياة بليغة
    تـملي الـدروس و جلّ ما تمليه

    سلها و إن صمتت فصمت جلالها
    أجـلى مـن التصريح و التنويه

    أجمل مافي عالم تويتر أنه عرفنا بكتاب لم نحظى بفرصة متابعتهم من قبل , وأنت منهم أستاذ فراس , جميل ما قرأته هنا , بارك الله فيك وفي قلمك وفي علمك وعملك.

    أختك / ليلى الشهراني

    ردحذف
  6. فعلا اصبت كبد الحقيقة....

    لي 4 سنوات متخرج اتخذت قرار بعد التخرج و اعتقد الان انه خاطئ .... اتخذت قرارات جريئة في حياتي محاولا اصلاح ما افسدته .... فعلا الحياة تجارب... اهم شي الواحد يستشير الأمين قبل ان يقرر والحياة قرارت ياتصيب ياتخطئ ممكن الواحد يخطئ الف مره عشان يوصل الي يبيه وممكن يكبر الوسادة ويعيش لحظته.

    ردحذف
  7. مقال جميييل اثر فيني.
    انا من النوع اللي ارجع واغير القرار. صحيح اني الحمدلله سعيدة بقراراتي
    لكن لو اعد السنين اللي ضيعتها عشان اجد القرارات الصحيحه بتكون تقريبا ٦ سنوات
    واللي ممكن اكون انجزت فيها الكثيير غير اكتسابي للخبرة طبعا.
    حقيقة اتمنى اني اتعلم الاستسلام.

    ردحذف
  8.  
    مقاله رائعه جدا
    وان صحت فان ايضا التكرار والمحاولة والخطأ والتعلم من تجاربنا واختياراتنا هذا شيء طيب ففي حياتنا عندما كنا نصاحب أهلنا في جميع خياراتنا ليس في خياراتنا فقط ففي تحمل المسؤولية أيضا كنا على عاتقهم هم من يتصرفون وحدهم دون ان يدعونا نتصرف بحرية بمراقبتهم ففي المستقبل القريب وعندما ننفصل نوعا ما عن اختياراتهم فاننا نواجه اشكاليه في التردد بالاختيار فتكون لنا حياه جديده في المحاولة والخطأ وفي الاختيار وفي التحمل أيضا فنواجهه عقباتْ كنا من الألزم اننا واجهناها صغراً لكيْ يكون لنا حده في التفكير وفي الاختيارْ دون أن نترددْ وأن نخافْ من اختيارنا فعلى كل اب وام تدعْ لكل طفلها الخيار منذ الصغر بتوجيه منها دون الالزام وعليها ان تدع طفلها يتحمل مسؤوليه فلاداعي بأن تفعل هي كل شي دعيه يختار دعيه يتحمل المسؤليه بمراقبة منك دون أن يشعرْ فهذا مفييد له حين يكبرْ
    عذرا حين أطلتْ
    @toofyalmulhim 

    ردحذف
  9. الله يوفقك يافرااس في كل امور دنياك
    والله يكثر من امثــاالك

    ردحذف
  10. من الجميل ان نستشير قبل اتخاذ القرارات ولكن يجب ان لاندع احداً يقرر عنا فهناك قرارات مفترق طرق ,بناءً عليها حياتك القادمه..

    ردحذف
  11. رائع ما كتبت شكرا ........... اتباع رضى الله+ تفكير سليم+ جراءة= اختيارت رائعة وموفقة

    ردحذف
  12. شُكراً على المقال ..
    فِراس .. ورب الكعبة نُحبك في الله :)

    ردحذف
  13. آلله يوفقك ويسسعدك يآفرررآس <3 <3

    ردحذف
  14. قلبت المواجع يافراس فعلا القرارت تحدد مسيره الحياه لاتذكرني بقرار اتخذته في حياتي العمليه وندمت اشد الندم عليه بسسببه ولكن الله يكتب مافيه الخير لي

    ردحذف
  15. قلبت المواجع يافراس فعلا القرارت تحدد مسيره الحياه لاتذكرني بقرار اتخذته في حياتي العمليه وندمت اشد الندم عليه بسسببه ولكن الله يكتب مافيه الخير لي

    تحياتي لشخصك الكريم اختك د/ فوزيه المرواني

    ردحذف
  16. السلام عليكم ،،

    مقال رائع و تفكيير عمييق ،، منها للاعلى

    كثيره هي الاختيارات بحياتنا و عليها يبنى اساس مستقبلنا ،، لكن مو دائما يكون الخيار بأيدينا ،، توجد تلك الظروف المحيطه و بعض العادات العتيقه و بعض الاعراف ( العيب ) تعيق اختياراتنا ،، و نظرة المجتمع السوداويه نحو عدة امور تحرمنا منها و من خوض تجربتها ،،

    ردحذف
  17. مقال يدل ع انسان راقي اتمني لك التوفيق

    ردحذف
  18. مقال يتميز كلمات رائعه جداً ..

    قلمك الذهبي يشدُ أنظاري و يعجب مسامعي ف شكراً ل مدونتك الراائعه ..

    ب أنتظظار المزيدَ ^_^

    ردحذف
  19. انا اقدمت على اختيار حياتي العمليه بالصواب فأين المؤيد لذلك الاختيار فهناك المعارض لهذا الاختيار وهناك المؤيد من اقرب الناس الي00000

    ردحذف
  20. هل نحن نصنع الحياة ام الحياة هي التي تصنعنا ليش اذا نجحنا في حياتنا نقول نحن السبب واذا فشلنا في الحياة ننسبها لظروف الحياة....اتمنى لك مسقبل باهر...استمر يافراس نحن ننتظر جديدك الم العتيبي

    ردحذف
  21. فراس وينك وين المقاطع على اليوتيوب استمر الله يسعدك تحياتي

    ردحذف
  22. بنت المزاحميه17 أبريل 2012 في 12:15 م

    وفق الله يافراس والله انك انسان مثالي للقمم

    ردحذف
  23. بنت المزاحميه17 أبريل 2012 في 12:18 م

    تكلمت وأبدعت يافراس بما في الخاطر وعما يجول به
    وأسأل الله العلي القدير بالتوفيق لك دوما

    ردحذف
  24. استمتع لما اقرا مواضيعك

    ردحذف

أشكر لك اهتمامك و تعليقك