2009/08/17

في فانكوفر .. ٩

في الأسبوع الثالث بدأت مسابقة الـ FireWorks التي تقام كل صيف. فازت كندافي العام
الماضي، و أعزو ذلك إلى نسبة تصويت الكنديين لبلدهم. في هذه السنة شاركت أربعة دول.
كندا، أفريقيا الجنوبية، بريطانيا، و الصين. دارت أحداث المسابقة في خميس و سبت أسبوعين
متتاليين. كانت كندا هي الأولى في عرضها. كان كل عرض يبدأ في الساعة التاسعة و يدوم
نصف ساعة. في المدرسة أخبرونا أنه من الأفضل الإسراع إلى مكان الحدث، English Bay،
حيث ستبدأ الجموع بالتوافد هناك في ساعات مبكرة من الحدث. انطلقت مع صديقي فور انتهاء
الدوام في الساعة الخامسة و تواجدنا على شاطئ الموقع. English Bay هو أحد شواطئ
فانكوفر الجميلة المحاذي لـ Stanley Park. تقف في وسط المياه أمامنا سفينة تحمل الألعاب
النارية فيها. انتظرنا حتى الساعة التاسعة مساء تحت سطوة الشمس الحارقة. و بدأ العرض.
كان جميلاً جداً، و لكنه لم يتسلزم ذلك الحضور المبكر ! كان بإمكاننا الحضور قبل العرض
بساعة و الحصول على مكان ملائم.

في الساعة الأولى من حضورنا كان المكان خالياً إلا من قليل من المتشمسين. و بدأت الأعداد
بالتزايد مع كل ساعة. مجموعة تلعب كرة الطائرة في الزاوية اليسرى من مكاننا. و مجموعة
أخرى تلعب بالفريزبي في الزاوية اليمنى. و أخرى تتقاذف كرة القدم الأمريكية أمامنا. كريمات
للحماية من أشعة الشمس. و مناشف " منطولة " على الأرض " يتسدحون " عليها. عصائر، بيرة،
Hot Dog، دونات، و بعض يقرأ بعض كتب. استندنا على جذع شجرة ألقى، كبقية جذوع
الأشجار الملقاة، بعناية و تنظيم لتكون متكأ.

تعجبت من روعة الألعاب النارية في عرض كندا. و لكن عرض جنوب إفريقيا كان الأروع في
نظري. كانت أسطورة لن تنسى أبداً ! كان موقفاً طويلاً نقش لفترة أطول. كموقف قديم لا زلت
أذكره و لا أعلم لماذا ! حينما كنت على شاطئ الخبر و أهدتني خالتي وردة في أحد أعياد
الأضحى. لم تكن الوردة الأولى المهادة لي، و لم تكن الهدية الأولى التي تهدى من غير ميعاد
و سبب. و لكنها حتماً تحمل طابعاً لم أألفه من قبل. أذكر حينها الساعات الطوال التي جلست
فيها محدقاً في أمواج تلعب بقدمي و صوتها الهادي يشنف أذني بنغم لم أستلذه قط مثل ذلك
اليوم. تمنيت حينها لو تُرجمتْ أحاسيسي شعراً خالداً لا يمحى من صفحة الذكرى. و لكنها أبت
إلا المكوث في جنباتي من دون أيما سبب للتميز !

في يوم عرض جنوب أفريقيا، كان الجو ممطراً، ممطراً بشدة. قررت حينها البقاء مع " لاب توبي "
في غرفتي أتسامر مع أفلامي. و لكن حب التجربة فيني أرغمني على الخروج. أحب النظافة و
الترتيب كثيراً، لذلك كنت أخشى من توسخ ملابسي و ابتلالها. عذر أقبح من ذنب لم أتقبله.
لبست " جنزي "، و كان قراراً خاطئاً، و جزمتي البيضاء، قراراً آخر خاطئ، و توجهت إلى
الشاطئ. أمام المنزل وقفت في انتظار الحافلة بـ " جاكيتي ” الأسود أضع قبعته على رأسي
لتقيني من المطر ! ابتسمت لفكرة في رأسي. خلعت القبعة و جلست أنتظر الحافلة و المطر يلعب
بشعري. شعور جميل أن تتخطى الحدود. أن تكسر الأنظمة. أن تتجاوز الخطوط التي ألفت
اتباعها. التهور الذي كنت أعيشه دهراً و نسيته بعد حين، عدت له في تلك الليلة. كعصفور يرفرف
حراً في سماء لا تنتهي شعرت. وصلت الحافلة. دخلت. مضينا ركاباً تلبسهم المياه كما يلبسونها.
في المحطة الأخيرة نزلنا متوجهين إلى الشاطئ. مسافة الساعة تفصلنا عنه. أفواجاً كالحجاج
نسير. البعض يرفع أطرف جنزه، و آخرون يلعبون بالماء فرحاً. كثير يمشون في " برستيج "
مذل. “ برستيج " يحرمهم من حرية الحياة. من المتعة التي لولاها لما استطعنا العيش.

وصلت قبل العرض بعشر دقائق. أقف بجانب عمود الإضاءة عند رأس الدرج. بدأ العرض.
أذكر حينها تلك الدقائق السحرية التي عشتها بين بروق و رعود و ألعاب نارية و موسيقى. كان
مزيجاً متناغماً لم يخطط له. قطرات المطر التي تصافح المياه بكل حرارة. برق يشق عباب السماء
بكل جراء. و رعد يزيد من ضجة الموسيقى. ألعاب نارية بألوان أجمل من الخيال. مظلات تغطى
وجه الشاطئ و كاميرات لا تتوقف عن التصوير. دقائق شاعرية. دقائق لا تنسى، و كيف تنسى ؟!!


في نفس الأسبوع، أيضا، انتقلت إلى المستوى السادس في مدرستي. Martha هي مدرستي.
قالتلي بولينا أنها مدرسة مجنونة. ترفع صوتها فجأة و تركض فجأة و كل شي عندها بنظام
الفجأة ! و رغم ذلك كله إلا أن حصتها ممتعة و جميلة.
في لوحة الطلبات كتبت طلب تغيير المدرسة حتى قبل اللقاء بها. بعد انتهاء الحصة الأولى ذهبت
و شطبت الطلب. لا أعلم لماذا أقع أحياناً في اعتماد قرارات تعكس أذواق أناس آخرون !!
أحببت حصصها و شخصها المفاجئ. كبيرة في السن كانت. صغيرة في الروح و المرح. عينان
ناعستان لا تترجم واقع تصرفاتها إطلاقاً. قضيت في فصلها ثلاثة أسابيع انتقلت بعدها إلى
المستوى الأخير. كانت من أجمل أسابيعي. تقول لي أن أجيد اللغة و لكن الممارسة تنقصني. أعلم
ذلك جيداً و لكن ما ينقصني حقاً هو الثقة و الجرأة التي لم تخني قبل ذلك قط !

درست معها أسبوعاً عن الفن و آخر عن الحيوانات و أخيراً قواعد اللغة الإنجليزية التي أحبها
و أجيدها. في أسبوع الفن عرضت لنا فيلماً وثائقياً عن رسامة أثارة جدلاً قبل أربعة سنوات في
إمريكا تسمى Marla. تبلغ من العمر أربع سنوات. و ترسم لوحات تشكيلية رائعة. يضحك أحد
المعلقين في الفيلم الوثائقي قائلاً: [ و هذا أكبر دليل على أن الفن التشكيلي مجرد فشل و لعب
بالفرشاة ]
.

أعجبت بالفكرة. و لأني أحب الرسم و أميل إلى الرسم التشكيلي الذي من خلاله أستطيع
استخراج مكنونات نفسي الدفينة، مشاهداً لا رساماً طلبت من مارثا أن تقرضني " السيدي "
لليلة لأعيد مشاهدته و الإطلاع على المقاطع التي لم تعرضها لنا. ذهبت في اليوم التالي إلى
معرض فانكوفر للفن. كان يعرض حينها الفن الهولندي الذي لم يعجبني فيه إلا رسوم
" البورتريه " و دقتها. و في الدور الثالث كان دوراً خاصاً بالرسام الكندي Jack Shadbolt.
و هو رسام تشكيلي تتلمذ على يدي الرسامة الكندية التشكيلية Emily Carr. و كان أحد
الأمثلة التي تفوق الطالب على معلمه. يمنع التصوير في المعرض و لكن إعجابي بالرسومات كان
أكبر من اتباع التعليمات. ثم ذهبت إلى الدور الرابع لأتفاجأ بصور " مجنووون " يدعى
Andreas Gursky. مصور خرج عن حدود المعقول بصورة التي عنت بالتنظيم الفوضوي من
وجهة نظري التعبيرية. و يمكنكم الإطلاع على صورة التي لم أتمكن من تصويرها عن طريق
البحث بواسطة اسمه في العم Google.


الأسبوعان الرابع و الخامس لم يكونا كسابقيهم من الأسابيع. رغم وجود بعض الفعاليات إلا
أنها لم تكن بكثرة الأسابيع الأول. ذهبت في الأسبوع الرابع لقراءة كتاب " حياة في الإدارة "
لغازي القصيبي، الكتاب الذي أهداه أبو يارا لي، في الحديقة المطلة على الميناء بجانب البلورة
العلمية. و في الأسبوع ذاته، خرجت مع أصدقائي السعوديين للعب كرة القدم يوم الجمعة و التي
أصبحت عادة عصر كل جمعة. نبدأ الساعة الخامسة و ننتهي قرب التاسعة ! يتجمع معظم
الطلبة السعوديون هناك و غير السعوديين من العرب و العجم. ثم نذهب بعدها لتناول العشاء معاً
في مطعم مختلف كل أسبوع. تناول وجبة العشاء في الأسبوع الرابع في مطعم Vera's المشهور
بـ " هامبرجراته ". كانت وجبة متخمة ولكن لذيذة. ذهبنا بعدها للعرض البريطاني.

في الأسبوع الخامس ذهبت مع أصدقائي السعوديين الأربعة إلى الـ Play Land، مدينة الملاهي
المشهورة في فانكوفر. لعبنا فيها جميع الألعاب المرعبة. أحد أصدقائي، و الذي يبلغ من العمر
34 سنة، ركب معنا قطار الموت دون شعور منه في غمرة أسئلته ل يعن قواعد اللغة الإنجليزية.
قاطعته و نحن في الصعود إلى القمة قبل النزول فجأة قائلاً: [ يبو .. الحين بنطيح ! ] حينها
بدأ بالصراخ و التلعين متشبثاً بي. بينه و بين الدموع " عطسة " ! ضحكنا حد الدموع لحظة
رؤيتنا لوجهه في الصور التي ألتقطت لنا.

إلى هنا أتوقف، حتى لا تملوا !




صور مختارة (اضغط على الصورة للتكبير)




الأفواج متجهين للألعاب النارية.


قبل ساعة من بداية العرض في الـ English Bay


أحد المنتمين لدولة الميروانا، نوع من أنواع المخدرات !


قبيل بداية العرض لحظات الغروب


صورة لعرض كندا


الصورة تتكلم


بعض رسومات Shatbold


تابع


تابع


البلورة العلمية المطلة على الميناء.


صورة للإستاد المواجه للبلورة.


ملعب كل جمعة



مطعم Vera's


تابع، وجبتي.


الـ Play Land و تظهر لعبة قطار الموت يميناً


تابع، لحظة صعود القطار


اللعبة اللي ختمنا بها يومنا في الملاهي.


هناك 7 تعليقات:

  1. كم هو رائع سردك لرحلتك حتى ظننت أنك تكتب رواية تنسجها من خيالك ..
    كم هو رائع تذكرك للأحداث وتصوريك للمواقف والأحاسيس حتى ظننت أنني أنا الذي أعيش الحدث ..
    كم هو رائع أسلوبك في الانتقال من حدث لآخر حتى إنني لا أشعر بهذا التحول والانتقال..
    كم هو رائع تفننك في إبراز مواهبك ومعلوماتك حتى تيقنت أنني أقرأ لشخصية مبدعة رائعة ..
    كم هو رائع جعلك من الأحاسيس معاني لها قيمة حتى شكلت لي رؤية أخرى ..
    كم هو رائع طُرفك وابتسامتك حتى جعلتني أنسى بعض همي ..
    كم هو رائع جُدك وحزمك حتى أدركت أنك تأسر الأشياء وليست هي التي تأسرك ..
    كم أنت رائع .. هكذا لابد أن تكون الحياة بأن نجعل من مواقفها وأحداثها قصة تروى وحكاية تُحكى فلكل واحد منا لديه أشياء كثيرة تستحق القراءة والاستماع ولكن ليس كل منا قادر على إبرازها وإخراجها للحياة .. لتكن رحلتك حياة لمن يقرأها فنحن بحاجة لمن يمنحوننا الحكمة من تجاربهم وخبراتهم .. فيسلم قلمك ولتسلم روحك .. أبورغد

    ردحذف
  2. ماااااااشا الله عليييييك

    يعني الحين رجعت نقول الحمد لله عالسلامة؟؟

    ردحذف
  3. أبو رغد ..

    كعادتك دوماً .. حضورك مختلف عن كل حضور ..
    و تعليقك يمحص ما ما كتب تمحيصاً دقيقاً ..

    كن بالقرب دوماً ..

    ردحذف
  4. noaa ..

    لا والله لسى ..
    بس نقول ان شاء الله قريب ..

    ردحذف
  5. ما شاء الله ..
    ترجع بالسلامه ..
    وكل رمضان وكانت بخير

    ردحذف
  6. يالله ان تحيي شلة النحاويق كلهم !
    و تحيي المصوراتيه بالذات ..

    الله يسلمك يا اختي .. و كل عام و انتي بالف صحه و سلامه و سرور ..
    و الله صعبه رمضان و انا بعيد عن اهلي .. الله ييسر ..

    ردحذف
  7. فراس مره حبيت شي فيك مو موجود بالناس وهو شي مهم
    انا مااعرف انت تقرا الردود ولا هذي تدوينه قديمه وماتطلع عليها مالي خبره بالشهور والتواريخ المهم
    انت تحس بكل لحضه تصير لك وتحس بالناس لو يمشون من قدامك تجد لحضاتهم م اعرف فيك شي مره جميل م قدرت اوصفه من نايحة احساسك باللحضات وتقدر اي شي يجيك من شخص لو بسيط مره نفتقد لهذي الصفات فالناس الحين ماتحس فيه احد يحس باللحضه يعتبرونها متعه وخلاص ينسونها بيني وبينك تمنيت اني اكون بين اسطرك لو ماره المهم مايحتاج اتكلم عن اسلوبك بالسرد لانه صار يتعبني اصف جماله بجد مو مجامله انصحك تنزل لك كتاب غريبه مافكرت بشي زي كذا


    Lulu

    ردحذف

أشكر لك اهتمامك و تعليقك