2009/08/29

في فانكوفر .. ١١

أصبحت هذه السلسلة متعبة جداً. أرهقني ترتيبها و صياغتها كثيراً. مللتها كمللي من البقاء
هنا في أرض لا قريب لي فيها و لا حبيب. في الأيام القلائل القادمة أكمل أسبوعي الثامن و
الأخير. هنا، حيث المشاعر المتصنعة مرتسمة على كل محيى. هنا، حيث الشعور " الملخبط " و
الأحاسيس المبعثرة و الفوضوية التي لا تنتهي. كثيراً ما أخبر أمي أني أتمنى السفر إلى الخارج
لأطلع على ثقافات الشعوب المختلفة. و ما أن ترتفع الطائرة في السماء و أرى نقاط الضوء تبتعد
عني، أرى مدينتي الحبيبة تتلاشى خلف ركام السحاب، ما إن يحدث ذلك حتى أتحشرج في
مكاني شوقاً لها. شوقاً لحضنها الدافئ. شوقاً لشوارعها التي تختزن ذكريات الشغب و ملامح
الطيش. أشتاق رغم شهور الألم و معاناة السنين التي عاصرتها حتى اعتصرتني فيها. إلى هنا
أتوقف في سرد مشاعري عن حبيبتي – مدينتي – و أعود معكم لنهاية رحلتي مع هذه السلسلة.


أسبوعي السادس كان أسبوعاً " ثقيل طينه " ـ أعتقد أن الأسابيع كلها ثقال طينه منذ الأسبوع
الثاني ! ـ بسبب رحيل أحمد. أحمد هو زميلي من أصول يمنية. ذكرت هذه النقطة، الأصل،
لأتحدث عن أحبابي اليمنيين. حقيقة الأمر أني حتى هذا اليوم لم أجد سعودياً من أصول يمنية
إلا و كانت مكانته عظيمة في قلبي. لم تتجاوز معرفتي بأحد الأسبوع. أقصد بذلك الأيام التي
التقيت أحمد فيها و ليست منذ بداية معرفتي فيه، لأني عرفته من الأسبوع الثاني تقريباً. كان
نعم الزميل و الرفيق. مبتسم دائماً، واثق من نفسه و من لغته الإنجليزية رغم ركاكتها إلا أنه
أجرأ مني في الحديث بها. يخلط كثيراً بين مصطلحات سعودية عامية و يقولها بالإنجليزية.
صادق في تعابير وجهه. و مجاملاته مكشوفة دوماً ! كريم و لطيف و عاطفي جداً. و للحديث عن
هذه النقطة مكان في السطور القادمة.

بولينا كانت نقطة التقائي بأحمد. حيث كانت تسكن معه في بيت نفس العائلة. و هما يسكنان في
بداية شارعي تقاطع Fraser مع الشارع الـ 12 و أنا مع الـ 61. زرت بولينا في ليلة من الليالي
على اتفاق مني أنا و توني لتوديعها، لم يحضر توني. حين وصلت سألتني لو كان بإمكانها مناداة
أحمد لمجالستنا و قضاء السهرة معاً. رحبت بالفكرة على امتعاض لأني لم أكن متحمساً لمعرفة
المزيد من السعوديين. كانت تقول لي أنه لا يخرج من البيت أبداً و لا يحضر إلى المدرسة. أشفقت
على وضعه و لكني لم ألمه في ذلك حينما علمت أنه قضى ثمانية أشهر هنا من دون أي زيارة
لأهله خلالها ! في أول لقاء لي معه لم نتوقف عن الحديث أبداً و كأننا أصدقاء نعرف بعضنا منذ
زمن ! كان حديثاً غير متكلفاً من ناحيته و قليل الحذر من ناحيتي. أعجبت بشخصه و بساطته و
تواضعه، و تعجبت كثيراً حينما علمت قبل سفره بساعات في حديث عابر بيني و بينه أنه ينتمي
إلى أسرة غنية جداً. لم يظهر ذلك في أسلوبه و لا في كلامه و لا في أي شيء. كان يعتمد كثيراً
علي في شراء كل شيء، بدء بالأحذية و انتهاء بوجبات المطاعم. يثق بذوقي كثيراً، أحببته لذلك.

في الليالى الثلاث الأخيرة قبل سفره كان يسمر هو و عزيز عندي لمشاهدة إحدى أفلام
الآكشن التي لدي. لا يحب إلا الآكشن ! ثم انتهى به المطاف أن اشترى وصلة لينقل جميع
الأفلام لديه. في اليوم الأخير له في الأسبوع السادس لي ذهبنا في جولة على بعض شوارع
المدينة. تعرفت فيها على زميل سعودي جديد اسمه حسام. بعد تلك الرحلة عدنا لمشاهدة بعض
الأفلام في غرفته و عاد حسام إلى منزله. عزيز، و الذي يسكن مع أحمد، ذهب للنوم في غرفته.
قضيت أنا و أحمد ليلة وداعية جميلة كان يتحدث لي عن اشتياقه الكبير لأهله و أنا أكتب بإحدى
أقلامه على منديل و أنا أتخيل كلامه. غرفته الخضراء الصغيرة و بعض صناديق و شنطة، و
ميران يستخدمه لوزن العفش " وقفنا فوقه نشوف وزننا سوى كم ". قبل الفجر خرجت من منزله
على اتفاق منا أن يزورني قبل ساعات من رحلته و أن يكون تواصلنا عن طريق الماسنجر. عدت
لأودعه، حيث لا يمكننا الجزم بما سيحدث. و هل سيتمكن من المجيء أم لا ؟ و لكنه رفض قائلاً:
[ المعذرة يا فراس، بس ما أحب أودع أحد. ] تقول لي بولينا أنها لم تره في اليوم الذي سافرت
فيه و كانت تخشى أنه غاضب عليها لسبب تجهله، و لكن الحقيقة أنه لا يستطيع مواجهة لحظات
الوداع لرقة قلبه. كنت أسأله عن أجمل الأغاني بالنسبة له. و كان يتنهد كثيراً قبل الإجابة.
أستطيع الشعور بتلك العبرة المتعلقة في رأس حنجرة و هو يقول [ فراس شكلك تبينا نقلبها
صياح ؟ ] ثم يضحك. أخبرته عن قصيدة بكى لها جدي كثيراً و ما زال يبكي لسماعها حيث أنها
تحكي عن الشيب في كلمات رائعة على ألحان جنوبية مطلعها يقول:

الشيب شفته في المرايا و صديت *** ما كنت أصدق إن ذا الشيب فيّه !

حزن كثيراً على جدي و أخبرني أنه لا يلومه أبداً. أعتقد أنه أكثر الأشخاص الذين قابلتهم
في حياتي عاطفية !. سافر أحمد ولم يزرني. سافر و هو يحمل معه قدراً كبيراً من محبتي و
سعادتي.


في الأسبوع السابع غبت في أيامه أكثر مما حضرت لملل تملكني. في إحدى الأيام التي حضرت
فيها ذهبنا لزيارة جامعة الـ UBC و هي اختصار لـ University British Colombia.
استطعت معرفة سبب تفوقهم علمياً علينا. لم يهتموا بالمادة المطروحة فقط، بل قدموا كل الباقة
التي تعين الطالب على فهمها. بالإضافة إلى سبل الترفيه المتوفرة لإعادة شحن طاقة العلم مرة
أخرى. لأول مرة أرى جامعة توفر دار سينما لطلابها ! و محلات، و متاحف، و مسابح، و
صالات انترنت، و مقاهي، و حدائق تبهر الناظرين !


دخل رمضان علينا في الأسبوع الثامن، و كان يوم السبت هو أول أيام صيامنا. قبل ذلك كله
رسمت في ذهني مخططاً للتجهز لرمضان. قبل صلاة الجمعة قلت في نفسي أننا سنذهب
لتناول وجبة الغداء، ثم اللعب في ملعب الجمعة كالعادة. بعد ذلك نتوجه لشراء " أغراض "
رمضان من فيمتو و رقاق سمبوسة و لقمة القاضي. ثم نتفق على مكان نصلي فيه العشاء
و التراويح و لا مانع لو كانت غرفتي. أخبرنا الخطيب بعد صلاة الجمعة أنه سيكون هناك
إفطار صائم في مصلى الـ Downtown الذي لأول مرة أعلم عنه. و ستقاوم صلاة التراويح
فيه أيضاً. كان خبراً رائعاً قررت حينها أن أكون أحد المتبرعين في خدمة الصائمين. شعور
جميل، جد جميل، حينما تكون أنت في وجه هذا العمل الخيري تقدم الطعام لصفوف الصوام
و ابتساماتهم تكون بطاقة شكرك التي لا تقدر بثمن ! تعرفت في ذلك المصلى على مجموعة خيرة
من الناس. أثبتت الجموع أن الخير لا يتمثل في لحية و ثوب قصير. و إنما الخير هو خصلة
موطنها قلب صادق مسلم. روح المحبة و التآلف التي جمعتنا كانت كفيلة بربطنا في ذلك المكان.
مصلى، يملكه أفغاني تبرع به لنا و تبرع بإفطار الخمسة أيام الأول من رمضان و الذي يكلف
كل يوم فيه حدود السبعمائة دولار، يتسع لمئتي طالب. و سجادات مفروشة بطريقة جميلة. تمور
تبعث لنا من السعودية من أهالى الطلبة و أقاربهم و فاعلي خير. و شوربة، و سمبوسة جبنة و
لحم و خضار، و رز و دجاج، و فواكه، و سلطات، و عصيرات، و قهوة، و شاهي، و فيمتو.
تختلف الوجبات في كل يوم، الوجبات الرئيسية، و لكن القلوب التي تجتمع على محبة و ذكر الله
هي ذاتها القلوب.

في يومي الدراسي الأخير، أخذت علمي الكندي و مررت به على أصدقائي ليكتبوا عليه سطوراً
من الذكرى. لا أحب الذكرى و لكني سأجرب !



لمن أراد المشاركة و التبرع لإفطار الصائم في مصلانا يتواصل مع الأخ تركي السبيعي على
الرقم التالي : 7788893487




صور مختارة ( اضغط على الصورة للتكبير )



أحد المناظر يوم اتمشى مع احمد و عزيز



الساحة الداخلية للمعهد



صورة لمدخل الفصول و الكنب اللي نجلس عليه



شوارع فانكوفر



مطعم لازم تاكلون منه .. عليه برجر موب صاحي ! يحطون به بيض =)



لحظة غروب ..



منحوتة خشبية جنب المرفأ



كلاسي



محل بيع المعجنات و بجواره السينما في صالة طلبة جامعة الـ يو بي سي



مقاعد الاستراحة في ممرات الجامعة



صالة كمبيوترات و نت للي ما معه لاب توب



منظر خارجي للجامعة .. و هذا مبنى من المباني و جزء بسيط فقط



ممرات تزدان بالخضرة



إحدى الحدائق، لقيت وحدة تقرا فيها قلت والله ما تنلام يوم تنفتح نفسها للقرايه !



رايحين لمعرض المنحوتات مع مدرستنا



الطلاب المسلمين متجمعين في مصلى قرانفل، و ربي شوفتهم ترد الروح يذكروني بهلي



وجبة الافطار. الله يجزي كل من كان وراء هالعمل خير الجزاء و يكسبه الأجر



أحد الصايمين و هو مستعجل على رزقه.



الشباب يفطرون و يسولفون " بالعربي " !



بعد ما نفطر لازم نحلي .. دلع الحمد لله



سلطة .. و يالله من فضلك



الرز .. و الملاس بيد الشيخ " لا يوقف ! "



هناك 7 تعليقات:

  1. ماشاء الله الله يجزاك خير على مساعدتهم بالفطور بالفعل أتمنى تجيني فرصة زي كذا .. لما أشوف الي بالحرم يوزعون فطور ويصبون موية للناس أغبطهم ع الأجر ..

    ومبارك عليك الشهر وتقبل الله منا ومنكم < بدري

    يالله بروح أفطر أذن بالرياض D:

    ردحذف
  2. أكح و الا وش اسوي ؟ وش هالغبار !
    اهلين اختي نورة .. نورتي

    انتو تفطرون و تتسحرون و حنا يبقى على فطورنا ساعتين !

    والله لو صارت لك فرصة تخدمين الناس [ موب شرط صيام ] راح تعرفين وش الشعور اللي اتكلم عنه ..
    شعور غير طبيعي ! و سعادة ما توصف ..

    اهلا و سهلا ..

    ردحذف
  3. حزنت لأحمد كثيراً ,, أملك نفس الشعور لا احب ان اودع أحد اكره لحظات الوداع :( ! ربما لأنها اكثر ما يعلق بالذاكره ويحزنني !
    واعجبني إجتماعكم الرمضاني والفطور الله يجمع المسلمين على خير يارب

    ردحذف
  4. Bent Dadi ..

    أحمد كتلة متنقلة من المشاعر .. حبيب و يخش القلب على طول !
    كلنا نكره لحظات الوداع، و قد أكون أكثر هروباً منكم من الواقع إذا أخبرتك أني أكره الذكريات أيضاً و العدوة إلى أماكن اللقاء بعد حين !

    مرورك الهادي أسعدني ..
    حياك يا أختي ..

    ردحذف
  5. ♣ S.A.R.A.H ♣
    ان شالله ربي ح يجمعكم مرة ثانية ..
    استمتعت كثيرا بيومياتك ..

    ردحذف
  6. ♣ S.A.R.A.H ♣ ..

    أهلاً و سهلاً بالمعيدة ..
    تشرفت بزيارتك .. و حبيت أقول لك انو صار لي مع أهلي الحين فوق الاسبوعين و شوي ..

    يعني ابشرك رجعنا سالمين غانمين لين ملينا منهم ! =)

    أتمنى تكون هالقطرة بداية غيث التواصل ..

    حياك ..

    ردحذف
  7. الاخ فراس هل يوجد رقم للتواصل معك

    ردحذف

أشكر لك اهتمامك و تعليقك